يلف الشاب محمد صالح، بعربة تشتهر غزيًّا بـ"التكتك"، لبيع المياه العذبة للباعة المتجولين في مناطق متفرقة من مدينة غزة، بعدما باءت كل محاولاته للعثور على وظيفة بالفشل.
يبلغ صالح من العمر (21) عامًا، تخرج بداية 2019م بعدما أنهى دراسة دبلوم محاسبة، كان يأمل أن يحصل على وظيفة ليعتاش منها، لكنه صدم بواقع قطاع غزة الذي يفرض الاحتلال الحصار عليه منذ 14 سنة.
يقول صالح لصحيفة "فلسطين": "كنت آمل الحصول على وظيفة بتخصصي الجامعي، لكن الحصار وضعف الاقتصاد حالا دون ذلك".
والتخصص الذي أنهى الشاب دراسته (المحاسبة) من التخصصات الراغب في دراستها طلبة غزة من الذكور والإناث، لكنه مرتبط بالوضع الاقتصادي بغزة، الذي تأثر كثيرًا بفعل الحصار وما خلفه من أزمات متلاحقة على مدار أكثر من عقدٍ من الزمان.
ويبين صالح أنه يبيع المياه العذبة للعربات وأكشاك بيع المشروبات الساخنة المنتشرة في شوارع مدينة غزة، خاصة في الأماكن المزدحمة؛ مثل منطقة الجندي المجهول، والمتنزه المقابل لجامعتي الأزهر والإسلامية.
ويستمر عمل الخريج محمد الذي بدأه قبل عام في بيع المياه من صباح اليوم حتى مسائه، لتحصيل 20 شيكلًا فقط.
ويشير إلى أنه خلال المنخفضات الجوية التي تتأثر بها فلسطين شتاء كل عام لا يخرج من بيته اضطرارًا، لأنه لا يوجد من يشتري المياه العذبة منه.
وتعكس الظروف التي مرَّ بها صالح حالة آلاف من الخريجين الذين أنهوا دراساتهم في تخصصات وجامعات مختلفة.
لكن لدى الشاب محمد إبراهيم يبدو الأمر مغايرًا، لقد قرر ألا يدرس أي تخصص في أي جامعة، لأنه لن يساعده في الحصول على وظيفة، كما يقول.
وفضل إبراهيم البالغ (30) عامًا تعلم ميكانيكا السيارات والشاحنات، بدلًا من الدراسة، وبالفعل نجح في ذلك وافتتح مشروعًا خاصًّا به، بتكلفة إيجار خمسة آلاف دولار سنويًّا.
لكنه يقول لـ"فلسطين": "المشروع لم يستمر طويلًا، بفعل تشديد الحصار على غزة وما نتج عنه من ضعف في الإقبال على الورشة، ما سبب تراكم الإيجار وعدم قدرتي على تسديده".
وكان إبراهيم يواجه مشكلة كبيرة في عمله، تتمثل في النقص الحاد في المعدات، وكذلك قطع الغيار، التي منع الاحتلال إدخالها سنوات طويلة، ولهذا أجبر على إغلاق ورشته، واتجه قبل عام لبيع المشروبات الساخنة في كشك قرب جامعة الأزهر بغزة.
ويوضح أنه لم يجد عملًا في مجاله بعدما أغلق ورشته، واضطر إلى اللجوء إلى كشك.
ويعتقد إبراهيم الذي لم يحظَّ بفرصة زواج أنه لم يبقَ أمامه سوى البحث عن عمل خارج فلسطين، بعيدًا عن ظروف الحصار التي فرضها الاحتلال، وغيرت معالم حياة كثيرين في القطاع الساحلي البالغة مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، ويسكنه أزيَّد من مليوني نسمة.
إبراهيم -وهو من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة- يحلم بادخار مبلغ من المال حتى يتزوج، إلا أنه بالكاد يكفي ما يحصله من مال مصروفه اليومي، كما يقول.
أما المشكلة التي يعانيها الفلسطيني ياسر صلاح (33 عامًا)، وهو خريج دار العلوم في جامعة القاهرة، سنة 2009م، فتبدو من نوع آخر، فمع حصوله على شهادة من مصر تثبت دراسته العلوم، لم يحظَ بوظيفة منذ أن وطئت قدماه أرض غزة عام 2012م.
ويقول صلاح لـ"فلسطين": "حتى لم أحظَ بفرصة للعمل على بند البطالة".
ويضيف صلاح -وهو متزوج وأب لابنتين بسنت (13 عامًا) وكنزي (عام واحد)-: "إن أصدقاء لي عملوا على بند البطالة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ووقعوا عقود تثبيت بعد أشهر".
وبسبب ضيق الحال، افتتح صلاح بقالة للبيع في منزله بمنطقة الصبرة، لكن بسبب ضعف الحركة الشرائية أغلقها، ويبين أنه ينوي تطوير بقالته، وإعادة فتحها من جديد، مع انعدام مصادر دخل أخرى، وعدم توافر فرص عمل.
وارتفع معدل البطالة في الضفة والقطاع في عام 2018م ليصل إلى نحو 31% من بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة مقابل نحو 28% في عام 2017م، إذ ارتفع العدد من 377 ألف عاطل عن العمل عام 2017م إلى 426 ألف عاطل في عام 2018م؛ وفق بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أيار (مايو) 2019م، تزامنًا مع يوم العمال العالمي.
وعلى مستوى المنطقة بلغ معدل البطالة نحو 18% في الضفة الغربية في عام 2018م مقابل نحو 19% في عام 2017م، في حين بلغ المعدل نحو 52% في قطاع غزة في عام 2018م مقابل 44% في عام 2017م.