يتذكر الخمسيني عبد السلام عبدو جيدًا محاولاته الأولى في صناعة دمى الأطفال وكيف فشل لمراتٍ متتالية في تشكيل جسم متناسق لدمية صغيرة، ولكنه اليوم بعد 26 عامًا أضحى ذلك الخبيرَ المتمرسَ الذي يتعلم على يديه طلبة فلسطينيون وعرب.
وداخل ورشته الصغيرة في بلدة جبل المكبر جنوب مدينة القدس المحتلة، ينشغل عبدو في تجهيز دفعات جديدة من دمى الأطفال والعرائس المتحركة، مستخدمًا في تلك المهمة أدوات ومعدات خام بسيطة من الإسفنج والمناديل والورق المقوى بجانب قطعة خشبية أو خردة.
والدمى المتحركة بمثابة بمجسمات اصطناعية يتحكم في حركاتها شخص، إما بيده أو بواسطة خيوط أو أسلاك أو عِصِيّ, وقد تمثل الدمية شخصًا أو حيوانًا أو نباتًا أو شيئًا من الأشياء.
وترجع البدايات الأولى لإدخال فنون الدمى إلى فلسطين لعام 1985 عندما قدم فنان إيطالي إلى مدينة القدس؛ وحاضر حول صناعة الدمى والعرائس، وبعد ذلك بخمس سنوات شارك عبدو بأول مهرجان لعروض مسرح الدمى ليكون عام 1990 بمثابة انطلاقته الحقيقية.
ويقول المقدسي عبد السلام لصحيفة "فلسطين": "عملتُ بعد إنهاء الثانوية العامة في حرفة النجارة والتمثيل في مسارح القدس، ثم تطور الأمر تدريجيًا؛ نحو تعلم صناعة الدمى والعرائس كهوايةٍ فردية، في ظل محدودية عدد العاملين في هذا المجال المميز".
وتمر عملية صناعة الدمى بمراحل متتالية تبدأ باختيار الفكرة ووضع التصميم الأولي ثم الصناعة من المواد الخام المناسبة وصولًا إلى مرحلة التلوين والتحريك، بينما تتراوح المدة الزمنية المطلوبة لصناعة الدمى ما بين يوم واحد إلى 20 يومًا، وذلك وفق نوعية الدمية.
ولرغبة عبدو في نشر فنون صناعة الدمى المتحركة والعرائس يخصص ساعاتٍ دورية لتعليم بعض الشبان الهواة من مدن فلسطينية مختلفة كالخليل ونابلس وغزة؛ وكذلك لا يتردد في الموافقة على تقديم دورات تدريبية سواء داخل فلسطين أو خارجها في مصر والسودان وتونس وغيرها.
وعدَّ عبدو صناعة ومسرح الدمى وسيلة فريدة تعزز الهوية والانتماء الفلسطيني بالقدس وتربط الأجيال الصاعدة بعراقة التاريخ وفي الوقت ذاته تنقل الصوت الفلسطيني إلى العالم بطريقة مغايرة.
وأشاد المقدسي عبد السلام بقدرات صانعي الدمى الفلسطينيين وقدرتهم على المشاركة في المهرجان والمنافسات الدولية رغم التحديات المتعددة؛ التي تواجه مسيرتهم بداية من ضعف التمويل والدعم المالي، وصولًا إلى مضايقات الاحتلال الإسرائيلي داخل أسوار المدينة المقدسة.
ويعد الإغلاق المتكرر للمسرح الوطني الفلسطيني "الحكواتي" تحت حججٍ واهية من أبرز الوسائل التعسفية التي يستخدمها الاحتلال لمواجهة ذلك الفن الشعبي، الذي يحظى بقبولٍ لافت من مختلف الشرائح العمرية والمجتمعية.
وسنويًا يُقام في مدينة القدس على خشبة مسرح "الحكواتي" مهرجان دولي للدمى، بمشاركة العديد من الفرق الفلسطينية والغربية في فقراتٍ متنوعة من فنون الصغار، ليكون محطة ومساحة رئيسة يلتقط فيها أطفال القدس أنفاسهم بعيدًا عن الظروف الحياتية الصعبة.
وبين عبدو أن الاحتلال أغلق قبل نحو عامين مسرح الحكواتي أثناء المهرجان السنوي لمدة عشرة أيام متتالية، بسبب رعاية وزارة الثقافة الفلسطينية التابعة للمهرجان، موضحًا أن مهرجان الدمى في القدس هو الوحيد الذي يُنظم سنويًا في الوطن العربي.
ومسرح الدمى فني شعبي قديم، تعود أصوله إلى الثقافات الآسيوية؛ وعربيًا ازدهر بعد سقوط بلاد الأندلس؛ إذ كان وسيلة للترويح عن الناس بجانب خيال الظل حيث كان وسيلة جيدة لحكاية قصص ذات دلالاتٍ قيمية إنسانية أو اجتماعية أو سياسية دون الاحتكاك مع الحكام.
ويوجد ثلاثة أنواع رئيسة من الدمى المتحركة هي، الدُمى المتحركة بواسطة اليد أو التي تتحرك عبر الخيوط "الماريونيتات" والثالثة تتحرك عبر العصي.