غياب تونس العربية عن مؤتمر برلين الذي سيناقش أوضاع ليبيا العربية -الجارة الأقرب- دليل على تخبط النظام العربي المنقسم على نفسه، وغير القادر على تمثيل المصالح الاستراتيجية للأمة العربية، وغياب تونس دليل على عدم النزاهة وغياب الموضوعية في اختيار الدول والمنظمات صاحبة الحق في مناقشة الأوضاع الليبية، وتسجيل الملاحظات، وتقديم المشورات، والموافقة على المقررات.
فإذا أضيف إلى غياب تونس غياب دولة قطر، الدولة التي شكلت الداعم الرئيس للشعب الليبي منذ ثورة فبراير، نستنتج سوء النية، وانحياز مؤتمر برلين المسبق إلى الطرف الذي تدعمه دولة الإمارات، الدولة التي لا تحدها حدود مع ليبيا، ولا هي من الدول العظمى، ولا هي من دول منتدى غاز شرق المتوسط كدولة اليونان؛ التي لم تكتفِ بالمطالبة بحضور المؤتمر، بل أعلنت عن اعتراضها على أي اتفاقية سلام بين الليبيين لا يلغي الاتفاق التركي الليبي، ذلك الاتفاق الذي حرك مياه المتوسط الراكدة، وأزعج دولة اليونان، والإمارات، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وهي دول لا تحدها حدود جغرافية مع ليبيا، وإنما تحدها الرغبة في حماية مصالحهم، واستمرار الهيمنة وبسط النفوذ.
إصرار حكومة الوفاق الليبية التي يترأسها فايز السراج على حضور دولتي تونس وقطر يعكس الوعي العميق لأهمية حضور الدولتين الصديقتين، وتأثيرهما البالغ على مقررات المؤتمر الذي سيدعو الجهات الخارجية لوقف تدخلها في الشأن الليبي، فكيف يكون ذلك؟ والقائمون على المؤتمر قد وجهوا الدعوة إلى كل الجهات الخارجية للمشاركة في المؤتمر، واستثنوا الأقربين مثل تونس، الدولة التي ستحقق مع الجزائر وقطر وتركيا بعض التعادل في موازين القوى داخل أروقة المؤتمر.
حضور تونس لمؤتمر برلين يحتاج إلى مشاغبة سياسية، وحضور ميداني، فالعالم لا يستمع للساكت، ولا يستجيب لطلبات الدول المؤدبة حتى ولو اعتمدت الديمقراطية طريقًا لانتخاب الرئيس والبرلمان، العالم يحترم القوي الموجود في الميدان، وهذه هي السياسة التي أعطت لتركيا وروسيا الحضور في الفترة الأخيرة، وهما تقدمان الدعم المادي لطرفي النزاع الليبي، لتغدو روسيا وتركيا مركز الربط والحل في الملف الليبي، رغم أنف الاتحاد الأوروبي وغيره.
عدم مشاركة تونس وقطر لا يبشر بالخير، ويثير الريبة حول مستقبل ليبيا، الذي تحركه رياح الأطماع والمصالح الدولية، لتبقى تركيا في هذا الخضم صمام الأمام لما سيصدر عن المؤتمر من مقررات، ولتركيا القدرة على ضبط المسار، والتأثير الإيجابي على النتائج، من هنا جاءت تصريحات الرئيس التركي المتشددة عشية افتتاح المؤتمر، تصريحات حادة، تحمل العديد من رسائل التحذير، فلتركيا مصالح سياسية وأيديولوجية في ليبيا تفوق كثيرًا مصالحها الاقتصادية، ولتركيا القدرة على فرض منطقها الدبلوماسي في مؤتمر برلين بالقدر نفسه الذي فرضت فيه منطقها العسكري الداعم للحكومة الشرعية؟
ليبيا العربية لا تحتاج من مؤتمر برلين دعمًا اقتصاديًا، ولا ترتيبات أمنية، ليبيا بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي لتأسيس نظام حكم ديمقراطي؛ يسحق دكتاتورية الفرد، وينبذ حكم العسكر، ديمقراطية تحفظ للغرب مصالحهم، وتحفظ للشعب الليبي حريته ووحدته وحقوقه السياسية والإنسانية، فالشعب الليبي لا يقل كفاءة وقدرة وثقافة وثقة بمستقبله عن بقية الشعوب التي اختارت الديمقراطية طريقًا للحكم.