فلسطين أون لاين

​قبل تقديم النصيحة أخضعها لموازين الشرع وتأكد من سلامة الوسيلة

...
غزة-فاطمة أبو حية

حضَرَت المُحاضرة الأولى في دورة تدريبية، لكن ظروفها لم تسمح لها بالاستمرار، ولم تتمكن من إكمال الدورة، وبعد فترة قررت أن تتوجه إلى المركز الذي يقدمها لتسترد المبلغ الذي دفعته مسبقا للحصول على الدورة، فما كان من صديقتها إلا أن نصحتها بألا تخبر الموظفين هناك بأنها تواجدت في تلك المحاضرة، بل تؤكد لهم أنها لم تتواجد سوى لعشر دقائق اضطرت بعدها للخروج، وذلك لكي تتمكن من استرداد المبلغ كاملا.. في البداية راقت لها الفكرة، لكن بعدما أخضعتها لضميرها، انتبهت إلى أنها إن فعلت ذلك فسترتكب معصيتي الكذب والغش، فتراجعت وقررت أن تتنازل عن المال بدلا من أن تكون مذنبة..

كانت تلك نصيحة من صديقة إلى صديقتها لتخفيف العبء المالي عنها، دون أن تنتبه إلى أن النصيحة تنطوي على ذنب ستشاركها في تحمل نتائجه، وهذا حال الكثير من الذنوب التي يحث البعض غيرهم عليها بعدما يغلّفوها في ثوب النصح.. فما حكم هذا التصرف؟ وهل تزيل النية الحسنة أثر الذنب؟

رأي لا توريط

ويقول الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الدكتور عاطف أبو هربيد إن مبدأ النصيحة مفروض شرعا، المسلم مطلوب منه أن يخدم إخوانه ويقدم لهم النصح والمشورة، فقد ورد عن تميم بين أوس الداري، أن "النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة (ثلاثا)، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

ويضيف في حديثه لـ"فلسطين": "النصيحة أمانة، فعلى الشخص أن يقدمها كما لو كان هو من وقع في الأمر، فيعطي المستشير رأيا صائبا لا أن يورطه في معصية".

ويتابع: "الله، عزّ وجلّ، كما تعبَّدنا بالمقاصد والغايات، تعبَّدنا بالوسائل أيضا، لذا لا بد أن تكون مشروعة، وأن تكون النصيحة مضبوطة بضوابط الشرع، دون أن تخرج عن حدوده بما يضيع حقوق الآخرين ويوقع البعض في المعصية، ولو كانت كذلك فهذا غير جائز".

ويوضح أبو هربيد: "ثقافات الناس متفاوتة، فهناك من يملك خبرات محدودة في الحياة، وليس عنده ما يكفي من العلم الشرعي، وهذا لن تخرج نصيحته عن حدود معرفته، بينما ثمة من يتمتع بخبرة واسعة، وقدر كبير من العلم الشرعي والورع والتقوى، وهذا يمكن أن يقدم رأيا سليما مضبوطا بموازين الشرع".

ويذكّر أبو هربيد بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ""الدال على الخير كفاعله"، وكذلك قوله: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"، مبينا: "إذا نتج عن النصيحة ذنب، فمن قدّمها يتحمله أيضا".

ويؤكد: "صحيح أن الأعمال بالنيات، ولكن العمل يحتاج إلى آليات مشروعة، ومصداقية النوايا تعتمد على صحة الآليات والأدوات والوسائل التي ينبغي أن تكون مشروعة كما الغاية، فمبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة ليس من قواعد الشرع، ومن ثم فإن الناصح لو نيّته الخير، لكن وسيلته ليست كذلك، نسأل الله أن يكون له أجر النية لكن الوسيلة معصية لها ذنب، ولذا على المسلم أن ينتبه لكل كلمة يقولها".

ويبين : "على الإنسان أن يتحرى جيدا عن مُقدّم النصيحة، فلا يأخذ الرأي من أي شخص، سواء كانت في مجال ديني أو اجتماعي أو يتعلق بحقوق الناس أو غير ذلك، دون أن يكون إمعة ينقاد لكل صاحب رأي، فالله تعالى وهب الإنسان العقل، وعليه أن يُعمله، فيستشير من هم أهل للمشورة، ثم يزن الأمور في عقله بميزان المصلحة والمفسدة والشرع".