يتحدث رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سلام إقليمي في ظل استمراره بالاحتلال والاستيطان والتهويد لكل ما هو فلسطيني، فعن أي سلام يتحدث قاتل الفلسطينيين.
ما كشفته صحيفة هآرتس العبرية الاسبوع الماضي عن وثيقة قدمها نتنياهو قبل أشهر لرئيس المعسكر الصهيوني اسحق هيرتسوغ والمكونة من ثماني نقاط رئيسة للسلام الإقليمي، وقبل البت فيها _ ولو انها وثيقة هزيلة لا تستحق القراءة ولا تساوي الحبر التي كتبت به _ لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
فعندما ذكر في أحد بنودها "البدء في مفاوضات مباشرة ثنائية دون شروط مسبقة"، فهذا ليس جديدا فهو يشترط هذا الشرط في كل مفاوضات، ويقصد هنا عدم تحديد فترة زمنية لهذه المفاوضات أي الى ما نهاية، ومن عاد يثق بهذا الشرط؟ و من ذا الذي يصدق نتنياهو بأنه يريد سلام، خاصة وان حوالي ربع قرن من المفاوضات بين الإسرائيلي وقيادة السلطة الفلسطينية لم تسفر عن شيء، بل على العكس من ذلك فالاستيطان في استمرار على حساب الاراضي العربية, والسؤال الذي بحاجة الى اجابة شافية: اين ستقام الدولة الفلسطينية المؤجلة اذا كانت (اسرائيل) تستحوذ على اكثر من 80% من فلسطين التاريخية؟!
ان اهم أهداف نتنياهو من هذه الوثيقة، ليس انشاء الدولة الفلسطينية فهو اكثر ما يتحدث الان عن الدولة اليهودية وانشاء حكم ذاتي أو ادارة مدنية في اراضي السلطة الفلسطينية, بالإشارة الواضحة الى الغاء اتفاق اوسلو, مستغلا تنكر الرئيس الامريكي ترامب له ولحل الدولتين، وإنما يهدف إلى اعتراف الدول العربية بيهودية الدولة دون مقابل, بمعنى السلام مقابل السلام وليس كما كان معهوداً السلام مقابل الأرض، خاصة وان احد بنود هذه الوثيقة يقول ان (إسرائيل) ترى بصورة إيجابية الروح العامة للمبادرة العربية والعناصر الواردة فيها وترحب بفتح مباحثات مع الدول العربية حول هذه المبادرة.
فاذا عرف السبب بطل العجب هكذا يريد نتنياهو السلام الاقليمي بفتح مباحثات مع الدول العربية حول المبادرة دون الاعتراف بها، الأمر الذي يؤكد ان هدف نتنياهو من ذلك هو التطبيع مع الدول العربية من جانب، وإدخال تعديلات عليها وفقا لمصالحها من جانب آخر، خاصة وان جزءا من هذا البند يقول إن فتح مباحثات مع الدول العربية حول هذه المبادرة من أجل عكس التطورات الهائلة التي حدثت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، مستفيدا من حالة الضعف العربي بسبب حروبه الداخلية والتهديدات التي يتحسبون منها على امنهم واستقرار انظمتهم لصالح تمرير سياساتها في التطبيع مع الدول العربية قبل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أي قلب بنود المبادرة العربية وتغيير ما تستطيع تغييره لصالحها.
صحيح أن الوقت يمضي في صالح (اسرائيل) لذا تسارع الزمن في العلو والغلو الاستيطاني، بدليل ان الوثيقة ترفض في أحد بنودها تجميد الاستيطان من خلال إعلان نتنياهو عن ذلك رسميا وتشير فقط الى استعداد لما أسمته تجميد الاستيطان "الهادئ" ودون إعلان رسمي في المستوطنات المنعزلة والتي لا تتواجد في التجمعات الاستيطانية الكبيرة المعنية (إسرائيل) بضمها في الحل الدائم، كما تقول.
واهم ما اكد عليه نتنياهو في الوثيقة توثيق التعاون الأمني الفلسطيني – الإسرائيلي على اكمل وجه، كي يضمن اكثر واكثر حماية أمن (إسرائيل) من قبل الجانب الفلسطيني في رام الله، فهو يقلب هنا المعادلة رأسا على عقب، حيث يعتبر امن دولته في خطر والسؤال من هو فعلا في خطر؟ الاحتلال ام المحتل؟ فالأمن الفلسطيني هو المُهدد وليس الأمن الإسرائيلي، و(إسرائيل) تملك من الأسلحة ما لا تملكه الدول العربية مجتمعة، إلى جانب أسلحة متطورة لا يملكها حتى في مجالات مختلفة حلف شمال الأطلسي، فهل بعد كل هذا من شك؟!
من حسن حظ الفلسطينيين تراجع نتنياهو عن هذه الوثيقة قبل الإعلان عنها مع الجانبين المصري والأردني كما كان مقررا، لأنها مجرد كسب الاحتلال مزيدا من الوقت وان مزاعم نتنياهو من خلال أحد بنود الوثيقة بالتزامه بحل الدولتين ليست سوى خدعة جديدة من خدعه، لأن من يريد حل الدولتين يكون لديه الاستعداد ليس فقط الإعلان عن تجميد الاستيطان، بل ووقفه لأنه غير شرعي ويتعارض مع السلام الموهوم.