من المعلوم قياديا أن الرائد لا يكذب أهله. إن كان القائد صغيرا أو كبيرا، ثلاثينيًّا، أو أربعينيًّا، أو تسعينيًّا، أو أكثر من ذلك كاذبا فلا يسمّى رائدا، لأن الريادة صدق قبل الإبداع، وحبّ مع الإبداع، وصلاح دنيا وآخرة، وأمانة عمل مقدمة على القول.
حين يقول رئيس السلطة لأركان حكمه، وأذرعه الإعلامية: كل ما يقام في غزة، أو تفكر الأطراف الدولية (وإسرائيل) في إقامته في غزة دون أخذ موافقة السلطة، والمرور عبرها، فهو جزء من صفقة القرن، ويجب إلصاق صفقة القرن به. المستشفى الأميركي بغزة جزء من صفقة القرن، وكذا الميناء والجزيرة العائمة، والمطار. والتهدئة من صفقة القرن، وربما نسمع غدا أن عزم هولندا (وإسرائيل) على تمديد خط ناقل للغاز لمحطة كهرباء غزة هو جزء من صفقة القرن؟! .
التعليمات الرئاسية واضحة جدا للمتحدثين الإعلاميين، ولأركان القيادة، لذا لا تكاد تجد اختلافا بين تصريح هذا وذاك، حتى باتت صفقة القرن أداة السلطة الرئيسة في معاقبة غزة، والتحريض على حماس، لعرقلة تفكيرها وإجراءاتها. إن مثل هذه القيادة تفتقد صفة الرائد الذي لا يكذب أهله، فهي لا ترتاد لهم الطرق لتختار الأصلح منها كما يفعل الرواد الإصلاحيون، بل هي تكذب، كما تشرب؟!.
تتحدث وسائل الإعلام العبرية عن قرب انتهاء أزمة نقص الكهرباء في غزة في عام 2022م، من خلال مدّ خط أنابيب ناقل للغاز إلى محطة الكهرباء الفلسطينية بشكل مباشر بتمويل هولندي بقيمة 60 مليون دولار.
من المعلوم أن قطاع غزة لا يملك كهرباء كافية منذ عقدين من الزمن، وأن الكهرباء في غزة تصل البيوت لست ساعات فقط كل أربع وعشرين ساعة، وقد اتخذت حكومة الاحتلال الكهرباء أداة حربٍ على غزة وحصارٍ لها، وحرمت كل مصانع غزة من القدرة على البقاء على قيد الحياة والمنافسة. ومن ثمة توسعت دائرة البطالة بين العمال والخريجين.
نعم، وظفت دولة الاحتلال الكهرباء في حربها على غزة، وفي حصارها لها، ولا أحسب أن هذه الحرب ستقف بمد خط أنابيب الغاز، لأن دولة الاحتلال ستوظف هذا الخط الناقل للغاز لمعاقبة غزة، واستبقاء حصارها، وجعل غزة خاضعة بشكل دائم لضغوط الغاز والكهرباء.
نحن نعلم أن خط أنابيب الغاز ليس حلا، والحل الحقيقي يكمن في قرار سياسي برفع الحصار عن غزة، ووقف إطلاق نار متفق عليه، أما استبدال الخط الناقل بالشاحنات فهو ليس حلا، وإن تضمن تخفيفا للنفقات وتسهيلا للإجراءات، مع فرصة لتسويق أكبر وأفضل لحكومة الاحتلال.
إذا ذهبت السلطة إلى ربط الخط بصفقة القرن، كما ربطت المستشفى الأميركي به، فعلينا أن نقول لها هات البديل، ولا تتفرجي على معاناة غزة من شرفة صفقة القرن، بعد أن أسهمت قيادات نافذة منكم إسهاما أوليا في صناعتها مع البيت الأبيض، على الأقل في المرحلة الأولى التي فكر فيها ترامب في الصفقة!