فلسطين أون لاين

​سوء اختيار الكلمات يفتح بابًا للمشكلات والحكمة تغلقه

...
غزة - فاطمة أبو حية

يُقال إن الكلمة كالرصاصة، إن خرجت من الفم، أصابت، ولا سبيل لسحبها، مهما بلغت خطورتها، وأيًّا كانت نتائجها، ، وفي هذه الحالة لا يكفي الندم، وربما لا تقدر كل عبارات الاعتذار عن حلّ التبعات السلبية لها.. عن اختيار الألفاظ أعدّت "فلسطين" التقرير التالي.

غير سوي

تقول الشابة "نسمة أيّوب" إنها تعاني كثيرًا من التعبير عمّا بداخلها بكلمات ذات معانٍ مختلفة عمّا تقصد، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مشكلات لم تكن تفكر بها.

وتضيف: "أنطق بما يخطر على بالي من كلمات وعبارات، دون التفكير فيما يمكن أن تحمله من معانٍ سيئة بالنسبة للطرف الآخر، وبعد اشتعال المشكلة أنتبه للأمر، ويتبين لي أنني أسأت للآخرين دون قصد، ولكن دومًا يكون الندم بعد فوات الأوان".

وتتابع: "أحاول أن أرتب كلماتي قبل التفوه بها، وأحيانا أنجح بالفعل، ولكن عصبيتي الشديدة توقعني في المشكلات دوما، وبسببها أفقد السيطرة على ما أقوله، فأتحدث بالكلمة الخاطئة، دون أن ألقي لها بالًا".

وتوضح أن المقربين منها يعرفون مشكلتها هذه، ويتعاملون معها على أساسها، ويسألونها عمّا تقصده بالتحديد ليعرفوا إن كانت تعني ما تقول بالفعل أم أنها أخطأت التعبير، ولكن من لا يعرفها عن قرب لا يلتمس لها هذا العذر.

ومن أمثلة وقوعها في مشكلة سوء اختيار الكلمات، أنها قررت ذات مرة أن تتحدث بصراحة لمديرها في العمل، وتخبره بأنه لا يساوي بين الموظفين، فقالت له: "أنت غير سوي"، انتبهت لملامح الصدمة البادية على وجهه، ولفتها انفعاله وعلو صوته اعتراضا على ما تقول، ولكنها ظنت أن صراحتها لم ترق له، ولما تبيّن لها حجم الخطأ الذي وقعت فيه، قضت وقتا طويلا في الاعتذار والسعي لتجاوز الإجراءات الإدارية والعقوبة التي يمكن أن تتعرض لها بسبب إساءتها للمدير.

في غنى عنها

ويقول "محمد الشيخ": "أحرص على اختيار كلماتي، ولكن لا شك أنني أقع في الخطأ أحيانًا، فأُدخل نفسي في مشكلات أنا في غنى عنها"، مضيفا: "التفكير في الكلمات قبل التحدث بها ضروري، خاصة إذا كان النقاش مع أشخاص العلاقة بهم غير قوية، لأن درجة الحساسية تجاه الكلام تزيد في هذه الحالة".

ويتابع: "إن تلفّظت بما لا ينبغي عليّ قوله، أسارع إلى توضيح مقصدي الحقيقي، ولا أتردد في الاعتذار إذا كان الأمر يستدعي ذلك، ولكن ألقى تفهما من الجميع، وأحيانا لا أنتبه لخطئي، ولا يستفسر عنه من أخطأت بحقّهم، وهنا تتفاقم المشكلة، حيث يبقى الآخرون على قناعة بأنني أسأت لهم، ولا أرى أنا خللا ينبغي تصحيحه".

وعن تعامله مع من يخطئ بحقه عن غير قصد، يبين: "إذا صدر الخطأ عن شخص يتصف بحسن أخلاقه أحاول أن أتأكد من مقصده، فربما خانه التعبير ولم يتعمد الإساءة".

حسن ظنٍ وفهم

ومن جانبه، يقول الأخصائي الاجتماعي أحمد حمد: "هناك من لا يلقي بالًا لما يقول، وعدم إدراك الشخص لأقواله يؤدي إلى مشكلات تتنوع في أنواعها ودرجاتها، وقد تصل إلى حد لا يمكن التراجع عنه"، مضيفا: "لذا لا بد من اختيار كلمات واضحة وصريحة، وبعد انتقائها ينبغي توضيحها إذا شعر باحتمال حدوث لبس بسببها".

ويتابع في حديثه لـ"فلسطين": "ربما تكون الكلمة مناسبة للموضع الذي قيلت فيه، ولكن الطرف الآخر في النقاش يقابلها بسوء فهم، إضافة إلى سوء الظن الذي يجعل الفرد يحمل الكلمة التي يسمعها معاني أكبر وأسوأ مما قصده بها قائلها".

ويوضح: "على الفرد أن يراعي ما يقوله، وعلى من يسمعه أن يتعامل مع الخطأ بحسن ظن، وأن يلتمس العذر، وإن كانت العلاقة بينهما إيجابية وقائمة على الحب والاحترام فتجاوز أي خلل ممكن وسهل"، مبينا: "أما إن كانت العلاقة بين الطرفين ضعيفة أو متوترة أصلًا فهذا النوع من الخطأ يفتح بابًا للمشكلات، فالكلمة قد تنتهي بقطيعة وإنهاء علاقات وهدم بيوت".

ويرى أن المستوى الثقافي والفكري لطرفي الخلاف الناتج عن سوء اختيار الألفاظ يحدد شكل التعامل مع هذا الخطأ، إما بالاستمرار في تتبع آثاره السيئة، أو بوقفها على اعتبار أن سبب المشكلة كان مجرد خطأ.

ويؤكد أهمية الاعتذار في هذه الحالة، وأن يبادر المخطئ إلى ذلك دون حرج، فكلمة "آسف" ليست دليلًا على ضعف الشخصية كما يظن الكثيرون.