كان المزارع محمود شمالي القاطن في حي الشجاعية شرق غزة يظن أن صباحه سيكون عاديًّا كغيره، يستيقظ مبكرًا ويرتدي ملابسه الثقيلة، فالأجواء ماطرة ودرجات الحرارة منخفضة، ولكن هذا ليس سببًا للتغيب عن أرضه الزراعية.
يتوجه إلى الأرض التي تعب هو وإخوته في زراعتها بأنواع مختلفة من الخضار، ليتفاجأ بأن أرضه وكل ما هو على امتداد بصره قد غرق بالمياه، ليضيع تعب شهور عديدة أفنى فيها شمالي وأشقاؤه جل وقتهم وجهدهم في الزراعة.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد فتح مع بداية الأسبوع الماضي عبارات مياه الأمطار تجاه أراضي المزارعين في منطقة حي الشجاعية، ما أغرق مئات الدونمات الزراعية وألحق بأصحابها خسائر فادحة.
ضياع الموسم
وبعدما ضرب كفًا بكف، يقول شمالي لصحيفة "فلسطين": "الاحتلال الإسرائيلي يحاربنا في لقمة عيشنا، يدمر أراضينا الزراعية، ويكبدنا خسائر حتى نتراجع عن زراعة الأراضي ويرتاح من وجودنا أمامه".
"هذا هو ملخص الحكاية" كما يقول شمالي، وهو أحد المزارعين الذين يعملون في زراعة الخضراوات في المنطقة القريبة من السياج الاحتلالي الفاصل شرق غزة، بعد أن أصيب بصدمة بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها وضياع الموسم الزراعي عليه.
ويضيف: "كنت قد زرعت 15 دونمًا بالتعاون مع إخوتي بالخضار، مثل: الملفوف الأبيض والأحمر، والبازيلاء، والفول، والبطاطا، والسبانخ، لنجد أن جنود الاحتلال قد فتحوا العبارات وأغرقوا مئات الدونمات من الأراضي الزراعية".
ويوضح شمالي أن الاحتلال ضخ كميات كبيرة من المياه التي وصلت إلى ارتفاع متر ونصف خلال اليوم الأول، ثم تقلصت بعد أن بدأت الأرض امتصاصها وجفاف كميات أخرى، لافتًا إلى أنه لم يستطع إنقاذ أي شيء من المحاصيل التي غرقت بفعل المياه والطين.
ويشير إلى أنه عمل على زارعة الأرض خلال الأشهر الثلاث الماضية لتجهيزها لموسم الشتاء، وكان خلال هذه المدة يلقى المزارعون مضايقات من الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتوان عن إطلاق النار وقنابل الغاز عليهم، وتهديدهم ومطالبتهم بالتوقف عن الزراعة.
ويؤكد شمالي أن عدم اكتراث المزارعين بهذه التهديدات أغضب جنود الاحتلال، الذين صمموا على إلحاق أكبر ضرر وأذى بهم بتكبيدهم خسائر كبيرة، وتضييع مجهود عملهم خلال الشهور الماضية.
وفي تقرير أولي لجمعية الإغاثة الزراعية ورد أن الاحتلال الإسرائيلي فتح أحد السدود على طول منطقة السياج الفاصل مع قطاع غزة، إذ يقع هذا السد شرق حي الشجاعية، وقد أغرقت مياه الأمطار بعد فتح السد مساحة زراعية تصل إلى 800- 1000 دونم زراعي.
وأشار البيان إلى أن معظم الأراضي التي غمرت بالمياه هي تلك المزروعة بالزراعات المكشوفة: (الشعير، والقمح، والخضار، والمحاصيل الورقية)، هذا وقد أغرقت المياه المندفعة بشدة من السد المزروعات كافة، إذ وصل ارتفاع منسوب المياه في المناطق الزراعية إلى ما يقارب 1.5 متر - 2 متر.
ورجحت الإغاثة أن يصل إجمالي الخسائر مبدئيًّا إلى ما يقارب 300000 دولار أمريكي للمساحة التي قدرت، وهي 1000 دونم زراعي.
جدير بالذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يقيم سدودًا على طول منطقة السياج الاحتلالي الفاصل مع قطاع غزة، بهدف منع تدفق مياه الشتاء إلى قطاع غزة، وتحويلها لتصب في الخزان الجوفي داخل الأراضي المحتلة سنة 1948م، وحرمان قطاع غزة أهم مصدر لتغذية الخزان الجوفي، وهو مياه الأمطار، وعندما تزيد كمية المياه عن قدرة السدود على حجزها وتحويلها يفتحها، ما يؤدي إلى اندفاع المياه بكميات كبيرة تغرق محاصيل المزارعين وتلحق بهم الأضرار الفادحة.