هيمن حدث اغتيال سليماني ورفاقه على شاشة الأخبار، وتباينت مواقف الدول منه، وكذا تباينت منه مواقف السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية.
هذا التباين بين موقف السلطة والفصائل يحكي خريطة الوضع الفلسطيني وانقساماته وتحالفاته، وحجم تأثير الدول العربية والإقليمية في الخريطة السياسية الفلسطينية. فلسطين السلطة، وفلسطين المقاومة لا تملك واحدة منهما الابتعاد عن المركز الذي يدور فيه قبل جريمة الاغتيال، ومن ثمة فإن كل طرف خاضع لا محالة لمقتضيات علاقاته مع المركز الذي يقترب منه، أو يبتعد عنه، ولكل حساباته. وهذه الحسابات للأسف لا تلتقي إلا نادرا في الساحة الفلسطينية، الموصوفة بالتعقيد.
فلسطين ترفع من يرفع رايتها، وتخفض من يخفض عزتها، فهي كما يقولون: رافعة خافضة، ولأنها كذلك ولأنها مركز الصراع في الشرق الأوسط، وعلامة على الوطنية والقومية من ناحية، وعلى الانحراف والتطبيع مع العدو من ناحية ثانية، تجد قادة فصائلها وسلطة فيها مضطرين لبيان مواقفهم من الأحداث الكبيرة التي تضرب الدول العربية والإقليمية. هم مضطرون لتحديد موقفهم من الحالة السورية، والحالة اليمنية، والحالة اللبنانية، والليبية، والحالة التركية، والإيرانية، وداعش وغيرها. وحين تصمت الفصائل تتهم ولا يرحمها أحد، وحين تتحدث تتهم ولا يتفهم حديثها بعضهم.
في جميع الأحوال هناك من يتفهم ظروف الفصائل، وهناك من ينعى عليها موقفها من زاوية سياسية، أو من زاوية دينية، وهي على ما تعانيه من غلب، عليها أن تسير بين الأشواك، وعلى حد السيف دون دماء أو سقوط على الأرض. والمنتقدون يجلسون على الكنبة ويشربون القهوة والشاي الساخن. إذا أردت أن تنتقد بنصح فضع نفسك مكان من تنتقده، وقارب المشكلات مقاربة من يريد أن يتخذ قرارا وهو يقف على حافة.
هذه الحالة الفلسطينية المعقدة، في الداخل، وعلى مستوى العلاقات الإقليمية، تحتاج شعبا واعيا غاية في الوعي، وذكيا غاية في الذكاء، بحيث يجعل قضية فلسطين والتحرير هي ميزان الحركة والفعل والقول، ويجدر بالشعب أن يقارب مواقف القادة دون إهمال دور نية الفاعل، التي تجعل من العمل مشروعا، أو مستنكرا. ودائما يعلمنا الفقهاء أن نية المرء خير من عمله.
القرار السياسي قرار معقد، تعمل فيه محددات متعددة، ومتعارضة، ويعيش متخذه بيئة أقل ما يقال فيها إنها بيئة مريضة، لا شوكة فيها لمسلم ولا لفلسطيني، وتلاحق الفلسطيني فيها ضغوط دول عربية وإقليمية، وضغوط تحرير، وحياة انسانية بلا حصار، وهو في حالة مدافعة مستمرة تحتاج منه العمل في كل المساحات المتاحة والقابلة للشراكة. ولما كانت الحالة هذه هكذا كان الوعي مطلوبا، وكان العذر محمودا، وما اتفقنا عليه نعمله، وما اختلفنا فيه نكل أمره إلى الله.