سيكون إسماعيل هنية ناكراً للجميل لو تأخر عن المشاركة في تشييع جنازة الشهيد قاسم سليماني، وسيكون زياد النخالة فارغ المضمون لو تردد لحظة في إدانة الجريمة الأمريكية ضد قاسم سليماني ورفاقه، فالمنطق والوطنية والإنسانية والعدل السياسي يفرض على الشعب الفلسطيني، وعلى رأسه حركتا حماس والجهاد الإسلامي، أن يطير على وجه السرعة إلى طهران، وأن يشارك بكل عمقه الديني وحضوره الوطني وثقله الأخلاقي في جنازة شهداء استهدفتهم الصواريخ الأمريكية، تلك الصواريخ التي استهدفت على مدار سنوات طويلة شهداء فلسطين، وعلى رأسهم أحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، وأبو عمار، وأبو علي مصطفى، والرنتيسي ورائد الكرمي، فكل هؤلاء وغيرهم من آلاف الشهداء ارتقوا بالصواريخ الأمريكية نفسها التي خطفت حياة قاسم سليماني ورفاقه.
والشهداء أحياء يُرزقون، يواسون رجال المقاومة على مختلف مشاربهم، ويشدون من أزرهم، وهم يعانقون سلاحهم، ويذرفون الأمل، من خلال تنسيق الخطوات المشتركة، ورسم معالم مرحلة جديدة، شاخصها معركة مصيرية ضد أمريكا و(إسرائيل)، معركة قائمة على مدار الاعتداء، ولا فرار من معركة يلتقي على حياضها كل رافض للغطرسة الأمريكية والهيمنة الإسرائيلية، وبغض النظر عن الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الديني، فالمعركة سياسية، وتدور بين غاصب ومغتَصَب، وبين قاتل وقتيل، وبين متكبر ورافض للمذلة، وبين جبار متسلط ورافض للجبروت والتسلط، إنها حرب البقاء رغم أنف ضبط النفس، وعدم الانجرار، فحصار الشعوب حرب، والعدوان على الأرض حرب، والغدر والخيانة من البعض حرب، والاستيلاء على المقدَّرات حرب مفتوحة على كل احتمال، ولها ارتداداتها الزمانية التي ستتجاوز مكان الحدث، وستنعكس نتائجها على الشأن العربي عامة، وعلى القضية الفلسطينية خاصة.
مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في مراسم تشييع جنازة قاسم سليماني لا تعني عدم نكران الجميل فقط، والاعتراف بفضل إيران في تسليح المقاومة، المشاركة تعني تحديد معالم خندق المقاومة سياسياً وليس طائفياً، والمشاركة تؤكد أن (إسرائيل) هي العدو الأول للأمة العربية والإسلامية، وهي صلب المواجهة في أي معركة قادمة، وهي محراك الشر في المنطقة، وهي وكر التخطيط والتنظيم والتدبير لكل فعل اغتيال أو عدوان أو تخريب في المنطقة ككل، و(إسرائيل) رغم قوتها هي النقطة الأضعف في أي مواجهة قادمة.
كان انتباه العالم إلى مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في مراسم تشييع جنازة الشهداء في طهران لافتاً، وقد أثار اهتمام وسائل الإعلام، وأثار الانتقاد حتى من داخل حركة حماس نفسها، وذلك لأسباب لا مجال لسردها، ورغم الانتقاد هذا فالمشاركة جاءت لتضع النقاط السياسية على حروف الواقع، وتعلن لكل العالم أن الشعب الفلسطيني يقف مع كل عربي ومسلم يناصر قضيته بالسلاح والمال، والشعب العربي بقضه وقضيضه يقف ضد من يتحالف مع أمريكا و(إسرائيل)، أو يطبع معهما، أو يلتقي معهما على ضفاف الاعتراف وتبادل المصالح وتقديم الخدمات والدعم والابتسامات التي تضر بمصالح الأمة.