"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ" (فاطر: 18)، آية قرآنية تؤكد أنه لا يحق لأي شخص أن يرمي آخر بذنب اقترفه غيره، فكما جاء في القرآن الكريم أيضًا "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر: 38).
ومع ذلك يصرّ بعض الناس على ربط الأشخاص بأفعال لآخرين تربطهم علاقة بهم، مع أنه لا ذنب لهم سوى صلة القرابة التي تجمعهم، وتلتصق بهم "وصمة مجتمعية"، فما الصواب؟ وأين تكمن المشكلة؟ في الموصوم ذاته؟ أم المجتمع؟
المواجهة خير وسيلة للدفاع
الاختصاصي الاجتماعي والنفسي د. فضل أبو هين يقول: "هناك بعض الموضوعات ليست بالسهلة على عُرف المجتمع"، مشيرًا إلى أنه في مجتمعنا من الأهون على الإنسان أن يقر أن لديه سرطان على أن يقول لديه مرضًا نفسيًا.
لذا فبعض الموضوعات –كما يقول أبو هين لصحيفة "فلسطين"- إذا نوقشت على صعيد المجتمع، ستجد حِدية واتجاهًا واحدًا، لأن المجتمع لا يقبلها، وبالتالي تكون سيئة لأبعد الحدود، وهذه الأفكار هي التي تقبل "الوصمة".
ويبين أبو هين أن الوصمة آتية من "الوشمة" فحينما نوشم بعض الناس بعلامة معينة، تظل طول العمر ظاهرة على جسده، ولا تخرج إلا بصعوبة بالغة، وكذلك الوصمة تبقى ملتصقة في عائلته.
ويشرح أن الوصمة هي عبارة عن سلوكيات يسلكها الفرد في مرحلة ما تكون مخالفة لعرف المجتمع، فينبذها الأخير، وتبقى متوارثة بعد ذلك عن هذا الشخص حتى لو ترك هذه المسلكيات.
ويقول الاختصاصي الاجتماعي: "حتى أسماء العائلات في الغالب هي عبارة عن وصمة التصقت بها نظرًا لعمل معين كان يعمل به الجد الأول، أو أسلوب حياةٍ معين، إلخ، وتتوارث الأجيال بعد ذلك".
وبسؤاله: ما المسؤولية التي تقع على عاتق الموسومين؟ يذكر قول الله تعالى: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ".
ويقول أبو هين: "لا شك أن الإنسان قد يخطئ بحق ذاته وبحق المجتمع، لكن ما دخل الأسرة أن توصف بهذا الوضع، وأنا أعتقد أن وصم عائلة معينة، يساعد على استمراره سلوك العائلة نفسها، من الانطواء والوحدة وعدم التعامل مع الآخرين وتعزيز الإحساس بهذه الوصمة، فهو الذي يؤدي إلى تعزيز هذه الوصمة".
ويشير إلى أن الهروب من المشكلة يزيدها إن لم يفاقمها أكثر، لكن مواجهة المشكلة ينهيها تدريجيًا، لافتًا إلى أن المجتمع يحتاج من هذا الشخص الموصوم أن يواجه، أن يتقاطع مع الناس، أن يذهب لكل مكان، وأن يتفاعل مع الآخرين، حتى لو ووجه ببعض الكلمات، عليه أن يدافع عن نفسه، وأنه لا دخل له بهذا الموضوع، فمواجهة الناس عنصر أساسي فاعل لتفكيك الوصمة من أذهان الناس.
ويشدد أبو هين على أن المجتمع مطالب أن ينهض بضحايا الوصمة، فالخطباء ووسائل الإعلام وكل الجهات عليهم جميعًا أن يتكلموا حتى يخففوا من حدة هذا الأمر، فالذي يخفف من هذه الوصمة ويلغيها تدريجيًا ترابط مجتمعنا، وطبيعة مجتمعنا في عائلته الممتدة، والاحتواء لهؤلاء الأشخاص حتى نخرجهم من هذه الوصمة التي لا ذنب لهم فيها.
خصوم لا يعرفها الإنسان
بدوره، يشير الداعية مصطفى القيشاوي إلى أنه من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه سيحاسب كل إنسان يوم القيامة بما فعله هو، ليس بما فعله غيره، ذاكرًا قوله تعالى: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى" (النجم).
ويتابع القيشاوي لصحيفة "فلسطين": "لكن للأسف البعض يحاسب أناس بريئون بجريرة أناس آخرين، فإذا كان هناك رجل سيء في عائلة معينة، فتُتهم العائلة كلها بأنها سيئة؛ بل إن بعض الناس للأسف يُعمم على منطقة كاملة، فيقول: بلد كذا غير محترمين، أو أهل بلد كذا بخلاء".
ويلفت إلى أن الإنسان يوم القيامة سيجد خصومًا له لا يعلمهم.. فيجد مثلًا 10 آلاف إنسان ينتظرون يوم العرض يريدون حقهم منه لأنه أساء لهم وتكلم عليهم عندما عمَّم حكمه على أهل بلدة كاملة أو عائلة بأكملها، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلًا، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا".
ويوضح القيشاوي أن الله عز وجل، لا يحاسب أحد بجريرة أحد، لكن ثمة أمر مهم ينبغي الإشارة إليه وهو أن الله سيحاسبنا على ما عملناه، وعلى ما كنا سبب فيه من خير أو شر، فإذا علّمتَ إنسانًا مثلًا كيف يتوضأ، فإنك ستحصل على الحسنات كلما توضأ هذا الرجل.
ويستدرك: "وبالمقابل، إذا علّمت إنسان عادة سيئة أو ذنب معين، فإن هذا الوزر والسيئات ستتحمله كلما فعل هذا الإنسان هذا الذنب أو هذه المعصية، قال تعالى: "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ" . (النحل: 25).
ويذكر الداعية القيشاوي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا".