بعد جملة من القرارات التي استهدفت التعليم في مدينة القدس المحتلة، والتضييق على المدارس العربية فيها، وإلزام الكثير منها بالمنهاج الإسرائيلي المحرّف، اتجهت سلطات الاحتلال إلى السيطرة على مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بالمدينة، وهو ما يعد محاولة لإنهاء دور المؤسسة الدولية بالمدينة المقدسة.
وتهدف سلطات الاحتلال الإسرائيلي من خطوتها التي أعلنت عنها أخيراً من خلال إنشاء مجمع مدارس تابعة لما تسمى "وزارة المعارف الإسرائيلية"، لتكون بديلاً عن ست مدارس لـ"الأونروا"، لبسط كل سيطرتها التعليمية في القدس المحتلة.
ومنذ قرار الإدارة الأميركية وقف تمويل "الأونروا" في أغسطس 2018، اشتدت الهجمة الإسرائيلية على وكالة الغوث بهدف منعها من مزاولة عملها وتقديم الخدمات التعليمية والصحية وغيرها لـ110 آلاف لاجئ فلسطيني في القدس.
ويدرس في مدارس "الأونروا" في القدس نحو 1800 طالب وطالبة، منها ثلاث مدارس في مخيم شعفاط، يدرس فيها 850 طالباً وطالبة.
وسبق الخطوة الإسرائيلية إصدار قرار بإغلاق مكتب مديرية التربية والتعليم في البلدة القديمة 6 أشهر، ومنع إقامة أي فعالية داخله، واعتقال المسؤول في المديرية سمير جبريل، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ومنع أي أحد من العاملين في مكتب المديرية من مزاولة عمله.
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي أكد أن التعليم في القدس المحتلة يعد من المؤسسات التي تبني الهوية الفلسطينية للمقدسيين وأبنائهم، من خلال القضايا الوطنية التي يتم تعليمها للطلبة منذ السنوات الأولى لدخولهم المدارس.
وقال الهدمي لصحيفة "فلسطين": إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "عملت وتعمل على الإشراف على جميع المدارس الخاصة والحكومية والتابعة لوكالة الغوث في مدينة القدس المحتلة، والتدخل في كل ما يُدرَّس للطلبة".
وأضاف: "الفلسطينيون يدرسون الطلبة القضايا الوطنية قبل القضايا العلمية والتربوية، وهو ما لا يريده الاحتلال، لذلك يحرص دائماً على بسط سيطرته على التعليم والمدارس، فشن هجمة شرسة على المدارس الخاصة، ومدارس التربية والتعليم، وحرّف المنهاج المدرسي".
وحول قرار الاحتلال الإسرائيلي إنشاء مجمع مدارس تابعة لما تسمى "وزارة المعارف الإسرائيلية"، لتكون بديلاً عن مدارس "الأونروا"، يرى الهدمي أن القرار يهدف لإنهاء وجود المنظمة الدولية في مدينة القدس المحتلة، وإنهاء صفة اللاجئين.
ووصف رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد مدارس وكالة الغوث بأنها آخر القلاع التي تواجه قرارات الاحتلال في القدس المحتلة، وخاصة المؤسسات التعليمية.
وأشار الهدمي إلى أن القرار الإسرائيلي جاء بعد جملة "الهدايا الأمريكية" لحكومة نتنياهو، التي كان أبرزها إعلان القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل)، ونقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، في ديسمبر 2017.
وحول المطلوب فلسطينيَّا لمواجهة القرار الإسرائيلي، أوصى الهدمي بضرورة تجاوز الفلسطينيين المحاولات الإسرائيلية والوقوف في وجهها، والعمل على تعليم الطلبة وفق المنهاج الفلسطيني، ورفض المنهاج الإسرائيلي المحرف.
المتحدث الرسمي باسم "الأونروا" سامي مشعشع، أكد بدوره أن الوكالة تقدم خدماتها وتشرف على منشآتها في القدس منذ عام 1950 ضمن الولاية الممنوحة لها من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال مشعشع في تصريح له: "الاحتلال الإسرائيلي طرف في معاهدات امتيازات وحصانة الأمم المتحدة التي وقعت عام 1946، التي تحمي حق الأمم المتحدة في القيام بمهامها دون أي تدخل".
وعدّ مخطط الاحتلال لإنشاء مدارس بديلة عن مدارس الأونروا في القدس المحتلة أنه تطور خطير يأتي ضمن المحاولات الإسرائيلية لإضعاف الوكالة ووجودها في المدينة المقدسة.
في حين أكد الخبير في شؤون مدينة القدس، الأكاديمي جمال عمرو، أن النظام السياسي الإسرائيلي الحالي بدا أكثر جرأة وطمعاً بإلغاء الوجود والهوية الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.
وقال عمرو لـ"فلسطين": "قضية اللاجئين الفلسطينيين أحد أهم أركان القضية الفلسطينية، لذلك تعمل سلطات الاحتلال على هدمها في مدينة القدس من خلال مخططها الأخير لبناء مجمع مدارس في القدس بديلاً عن مدارس الوكالة".
وأضاف: "الاحتلال عمل على بناء مدارس عالية الجودة من خلال حدائق وحمامات سباحة بهدف جلب الأطفال الفلسطينيين للدراسة بها، ونجحوا في ذلك حين سجل بها الكثير من طلبة مدارس السلطة الفلسطينية، والآن يتجهون لجلب طلبة مدارس الأونروا".
وأوضح عمرو أن التعليم في القدس المحتلة يعد من القضايا الأكثر أهمية، لذلك يعمل الاحتلال السيطرة عليه من خلال إنفاقه الكثير من الأموال.
وعدّ خطوة الاحتلال بإنشاء مجمع مدارس تابعة لما تسمى "وزارة المعارف الإسرائيلية"، لتكون بديلاً عن ست مدارس لـ"الأونروا"، "ضربة قوية" للاجئين الفلسطينيين في القدس المحتلة.
تماشي مع صفقة القرن
من جانبها، عبرت "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" عن رفضها المطلق لمخططات الكيان الإسرائيلي، لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في شرق القدس المحتلة.
وقالت الهيئة في بيان لها أمس: "تقدم الوكالة خدماتها إلى نحو 100 ألف لاجئ فلسطيني مسجل، إذ تسعى تلك المخططات إلى إغلاق المدارس والمراكز الصحية التابعة للوكالة، وتحويلها إلى بلدية الاحتلال، ولاحقًا مصادرة كل العقارات التابعة للوكالة، في حين ستلغى تسمية مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين ويعدّ حيًّا من أحياء القدس".
ورأت الهيئة أن كل المخططات لإنهاء (أونروا) تأتي تماشيًا مع ما يسمى صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، انطلاقًا من إضعاف الوكالة الأممية في شرق القدس المحتلة، تمهيدًا لإنهاء عملها بالكامل، والعمل على تهويد القدس.
وطالبت الهيئة في بيانها الأمم المتحدة بالتدخل لحماية منشآتها وموظفيها في القدس المٍحتلة وفقًا للقوانين الدولية مرعية الإجراء، التي تأخذ في الحسبان تسهيل عمل الوكالة في القدس منطقةً محتلة.
ودعا البيان اللاجئين الفلسطينيين في القدس إلى مقاطعة تلك المنشآت التي يقيمها الاحتلال، والتداوي بعيادات (الأونروا)، والاستفادة من كل الخدمات التي تقدمها الوكالة.