استباحت الولايات المتحدة أمس العراق وسبقها الاحتلال الإسرائيلي، وقتلت المسؤولين العراقيين والإيرانيين، وفي مقدمتهم رئيس فيلق القدس في الجيش الإيراني، وهو الشخص الأقوى في إيران والمنطقة، واستطاع أن يبني لإيران حضورًا قويًا، وعزز العلاقة مع العديد من الأطراف في المنطقة بين دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء وعلى حدود فلسطين، وداخلها، وعزز مشروع إيران في الحضور في المنطقة، وهي تجاهر في ذلك، وسط رفض من دول الخليج التابعة للولايات المتحدة.
قرار الرئيس الأمريكي ترامب باغتيال الجنرال سليماني هو إنجاز مرحلي للولايات المتحدة، لتعود للمنطقة بقوة من خلال عملية الاغتيال الجريئة، وقد بنت قرارها على اتساع نفوذ ايران الذي حققه سليماني الذي أزعج الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهم في المنطقة، وصراع النفوذ في المنطقة، والانتقال لمرحلة التضييق على الجيوش الأمريكية في المنطقة، والحضور الأمريكي المستقر في العراق منذ احتلالها 2003، وتهديد حلفاء الولايات المتحدة، كما حدث في تفجيرات شركة أرامكو بالسعودية.
تقول إيران إنها تمتلك خيارات عدة في الرد، ومن الواضح أنه أصبح حتميًّا، ووضع ايران في موضع محرج، بحيث انه لا يمكن لها إلا أن ترد على العملية، وقد صدرت تصريحات علنية بذلك على لسان القادة الإيرانيين، ويخضع فقط لمستوى الرد، سواء الاستهداف المباشر للقوات الأمريكية في الخليج، أو من خلال حزب الله والجماعات التابعة لها من خلال سوريا ولبنان، في حال تم استهداف إسرائيل، التي أصبح من الواضح أنها كانت على علم بذلك، وقد تكون وفرت وسهلت العملية، وتصريحات رئيس وزراء الاحتلال ووزير الجيش "بينت" توحي بذلك، وتشعر إسرائيل بنشوة غياب سليماني كعدو شرس لها في المنطقة.
خيارات الرد من سوريا ولبنان متوقعة، بينما الرد من غزة محدود لاعتبارات فلسطينية ودرجة التأثير المحدودة لإيران ووجود ساحات أوسع وأكثر تأثيرًا، وما بعد اغتيال سليماني ليس كقبله، بل يمكن الحديث أن العام 2020، سيكون عام الفوضى والمواجهات المتكررة على غرار استهداف أرامكو وغيرها، وخيار الحرب حاضر في حال وقوع رد إيراني كبير، وترد الولايات المتحدة بعمل عسكري أوسع، وعملية استنزاف باستمرار تسعى إيران لتوسيع ساحة حضورها في المنطقة وتغلقها أمام الامريكان.
بكل الأحوال الصراع أمريكي إيراني والعرب هم ساحة المواجهة وهم مجرد تبع لذلك.
في ظل الفوضى وخيارات الحرب، تمر القضية الفلسطينية في مرحلة حساسة، للموازنة بين بعدها الشعبي وعلاقتها الرسمية مع محيطها ومع ايران، وقد عبرت الفصائل الفلسطينية مجتمعة على رفض الجريمة، وتعزية سليماني، وهو مرتبط بالدور الإيجابي الذي لعبة سليماني لصالح القضية الفلسطينية وتقديم الدعم المادي والسلاح بشكل مباشر، ويكاد تكون المصدر الوحيد للسلاح.
هذا لم يرق لمن يناصبون إيران العداء، وبشكل شخصي مع سليماني المتهم بالوقوف خلف النظام السوري، وتوفير الدعم له، وما بين الموقفين الكثير من الحديث، يتعلق بالعلاقة الحساسة بين الفصائل الفلسطينية ومحيطها العربي والإسلامي، لكن بالموقف العاطفي، لمن يجلد المقاومة أن يفكر للحظة في واقع المقاومة، والرفق بها، وتقديم العون لها، في ظل الحرب التي لا تخفى على أحد، وقد تركت لوحدها تواجه مصيرها، وهي تتمسك بمبادئها وقيمها، واليوم تواجه مرحلة جديدة حساسة وخطيرة، الثابت فيها الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد من غياب سليماني، وهو المستفيد من حالة الفوضى التي تعصف بالمنطقة، والعرب وحدهم من سيدفع ثمن ذلك، وستخسر القضية الفلسطينية.