الأزمات الإنسانية والاقتصادية -التي عصفت بقطاع غزة لأعوام نتيجة للحصار الإسرائيلي الظالم- أوجدت بيئة اجتماعية داخلية ضاغطة، أثّرت في توجهات صانع القرار الغزي، ودفعته للاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية للمواطن، في خطوة درامية يمكن وصف حيثياتها بالتأجيل الاضطراري لأولوية المقاومة المسلحة، مقابل دفع مصالح الحاضنة الشعبية إلى واجهة المشهد.
وعلى رغم أن سلطات الاحتلال اعتمدت نهجا يقوم على تقليم الأظافر أو ما يسمى "جز العشب"، ممزوجة بعمليات تأثير اقتصادية ودعائية هدفت إلى إضعاف عوامل الصمود، وتقليص هامش الخيارات لدى غزة، كي تتمكن من توسيع الفجوة الزمنية بين كل جولة اشتباك واخرى، ومن ثم تركيز ضغطها على إدراك الخصم وتوجهاته وقراراته، لإشغاله بأولويات داخلية ملحة، إلا أنها باءت جميعها بالفشل، فعلى الصعيد العسكري ركزت سلطات الاحتلال على اضعاف المقاومة بضربات مركزة ومنتقاة، أما على الصعيد الاقتصادي فإن (إسرائيل) توجهت عبر توظيف أدوات الحرب الناعمة نحو تشديد الخناق على القطاع نتج عن ذلك شلل في جميع مناحي الحياة اليومية، وزيادة احتمالات اندلاع احتجاجات جماهيرية واسعة، الأمر الذي -على ما يبدو- دفع قيادة غزة باتجاه تبديل أولوياتها على المدى القصير؛ وهو ما تجلى في هيمنة الأطروحات الإنسانية على خطابها، مقابل تراجع سرديات المواجهة العسكرية والتحرير.
السؤال الذي يطرح نفسه هل نجحت (إسرائيل) في دفع غزة نحو ما تريده، بعد أن أوجدت حالة ميدانية صفرية مكنتها من تغذية مصالحها الإستراتيجية، مقابل تنازلات معيشية/اقتصادية لن تؤثر في ميزان القوة المختل لصالحها؟! الواضح أن قدرة (إسرائيل) العسكرية باتت عاجزة عن فرض أي تغيير على المدى القصير، لاسيما أنها تعاني على صعيد صورتها في حال لجأت إلى القوة المفرطة، ولعل أجهزتها الأمنية والاستخبارية أكثر دراية بذلك، حيث اقترح جهاز الأمن التوصل إلى اتفاق تهدئة طويلة الأمد مع حماس في قطاع غزة وتؤيد كل القوى اليمينية الاسرائيلية هذا الاقتراح وقد تم بحثه على أساس أعلى المستويات وتم التوافق على الموضوع.
وتتحدث مصادر اسرائيلية أيضا عن احتمال السماح لعشرات آلاف العمال من غزة للعمل في (اسرائيل) وكذلك تقديم تسهيلات في مختلف النواحي ولا سيما الاقتصادية وقضية المعابر .
إن (إسرائيل) كما هو معروف لا يهمها الفلسطينيين ولا تسهيل معيشتهم ولا تخفيف صعوباتهم، والعكس صحيح تماما، ولكن ما يخططون له في القطاع يتعلق بأهداف سياسية بعيدة المدى وتخدم أطماعهم ومساعيهم لابتلاع أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية، إذ إنهم في ما يحاولون تقديمه إلى غزة، يريدون تعميق الانقسام والانفصال السياسي الكامل مع الضفة الغربية التي يعملون على تهويدها وتهجير ابنائها.
إن أحدا لا يعارض تخفيف الحصار والعقوبات ضد القطاع وأهله ونحن جميعا مع تطوير حياتهم وتخفيف معاناتهم الشديدة.. ولكن يجب أن تكون لنا أهدافنا الوطنية الراسخة أيضا، وفي مقدمتها تحقيق الوحدة الوطنية والعمل يدا واحدة ضد الأطماع الاسرائيلية والاهداف المدمرة التي يحاولون تنفيذها.
لقد انهكنا الانقسام والمهاترات الإعلامية بين طرفي الخلاف بالضفة وغزة، وارتفعت اصوات كثيرة وباستمرار تطالب باستعادة الوحدة لمواجهة ما ينتظرنا ونعيشه من تحديات. إن شعبنا يقف يدا واحدة وقد رأينا التظاهرة الكبيرة المؤيدة لفتح في غزة بذكرى الانطلاقة، كما أن الكل يدرك التأييد الذي تتمتع به حماس بالضفة، لأننا شعب واحد ونشعر بالمصير الواحد والموحد رغم أنف الاحتلال وكل مساعيه لتعزيز الانقسام وتمزيق المواقف, إننا بالضفة الغربية وبالقدس الشريف بصورة خاصة نواجه هجمات استيطانية لا مثيل لها ومساعي تهويد لا تتوقف تشمل كل المؤسسات والتعليم والصحة، والاقتحامات المتزايدة للمسجد الاقصى واقامة الصلوات في ساحاته وغير ذلك الكثير من هذه الممارسات وقد صدقت فصائل منظمة التحرير حين أكدت ان المرحلة الحالية تعد الأخطر على شعبنا وقضيته.
إن أبسط رد وأقوى رد في الوقت نفسه على هذه المخططات يكون باستعادة الوحدة وانهاء الانقسام المدمر والوقوف يدا واحدة وقلبا واحدا ضد هذا الاحتلال التوسعي والرافض لكل احتمالات السلام..!!!