احتفلت حركة فتح في غزة بذكرى الانطلاقة رقم (55). كانت الحشود كبيرة، وقد جاءت من جميع محافظات القطاع بمختلف وسائل المواصلات لتستمع إلى الكلمات والرسائل التي قرر قادة الحركة إرسالها لجميع الأطراف. رفعت رايات فتح الصفراء، وهتف المحتفلون للثورة، وحيوا الشهداء والأسرى، وتحدثوا بقوة عن غزة ودورها في النضال الفلسطيني، وأمنت الشرطة ورجال الأمن في غزة الاحتفال، والمحتفلين، وسهلت وصولهم إلى الاحتفال، وانصرافهم منه بعد انتهاء النشاط بكل مسئولية وطنية، وتعلوهم الابتسامة، فكلنا أبناء وطن واحد، ونحمل هموما واحدة، وقضيتنا واحدة، واختلاف فتح وحماس في السياسة لا يفسد للودّ قضية، لذا رأيت من الواجب، وأنا أهنئ الثورة في انطلاقتها، أن أشكر حماس، ورجال الأمن والداخلية على هذه الروح الوطنية الديمقراطية التي أعطت رسائل لكل الأطراف أن استعادة اللحمة والوحدة أمر ممكن وقريب أكثر مما نتصور.
وقد لفت انتباهي في كلمات المسؤولين من قادة فتح أنهم أخذوا على عاتقهم تطمين أبناء فتح في غزة على استجابة الرئيس عباس لمطالبهم، وإنصافهم، وعدم التفريق بين مكان ومكان، وإقليم وإقليم، وموظف وموظف، الأمر الذي يعني أن هناك خللا قائما يحتاج إلى إصلاح، ولا يصلحه إلا عباس نفسه، أو رئيس الحكومة نفسه، وأن قادة فتح في غزة يطالبون بحقهم في العدالة والمساواة مع إخوانهم في الضفة.
ما قدمته الجهات المسؤولة في غزة يستحق الشكر، فهو إعلان عن أن الحريات العامة ليست كلمة تقال، وإنما عمل يمارس، وترعاه الجهات الأمنية المسؤولة، وأن الاختلاف في السياسة والبرامج هو جزء من طبيعة العصر الحديث، وهو جزء من طبيعة قضيتنا الفلسطينية المعقدة، وهو جزء من الحالة الدولية التي تنحاز للعدو رغم احتلاله، ورغم تمرده على القرارات الدولية، وهو جزء من طبيعة الاستعمار الصهيوني لبلادنا فلسطين، وكيفية مواجهته والتصدي لأطماعه.
الفصائل الفلسطينية أقرب ما يكون للأحزاب السياسية، ومن عادة الأحزاب في دول العالم الديمقراطي أن تختلف في البرامج، وفي بعض السياسات، ومن طبيعة الأحزاب أن تتنافس على أصوات الناخبين، وأن تشكل أحيانا حكومات ائتلافية تشاركية. وما يحدث في بلادنا ليس أمرا مستغربا، بل المستغرب أن نكون جميعنا نسخة مكررة عن واحد، أو نسخة مكررة لبرنامج واحد.
ما حدث في غزة كان رعاية جيدة لإنجاح احتفال فتح في انطلاقتها، وهو جدير أن تمنح فتح وأجهزتها الأمنية حماس مثل هذه الرعاية في الضفة الغربية، عند قيامها بأنشطة احتفالية عامة، أو احتفالات جامعية. وكما يقولون: يد واحدة لا تصفّق.