لم يكن عام 2019م عاديًّا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة على مستوى الأدمغة، فخلاله سجلت المقاومة الفلسطينية عددًا من الإنجازات الأمنية والعسكرية، وأطاحت بوزراء حروب الاحتلال، وقادته العسكريين، رغم الحصار المتواصل والمشدد عليها.
وبإمكاناتها الذاتية، وخبرة رجالها، استطاعت المقاومة -وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"- إيلام الاحتلال الإسرائيلي، وإفشال أكبر مخططاته خلال عام 2019م.
ومن الأحداث الأمنية البارزة خلال هذا العام، ما جاء ضمن الملفات التي سمحت "القسام" بنشرها حول تمكنها من خداع أجهزة أمن الاحتلال المختلفة خاصة ما يسمى "جهاز الأمن العام" (الشاباك)، و"جهاز الاستخبارات العسكرية" (أمان).
وتمكن" القسام" من تضليل أجهزة أمن الاحتلال ضمن إحدى العمليات الأمنية الأكثر تعقيدًا في صراع الأدمغة بين المقاومة وأجهزة مخابرات الاحتلال، حيث أدارت معركة أمنية من خلال زرع عميل مزدوج ومد الاحتلال بمعلومات خاطئة.
وتظهر العملية الأمنية للقسام كيف نجحت طواقمها في توجيه العميل لفترة زمنية طويلة والتمكن من تضليل (الشاباك) والمخابرات العسكرية بالجيش (أمان) وكشف نيات ومخططات الاحتلال وإحباطها.
ويظهر الفيلم الخبرة الأمنية الكبيرة التي اكتسبها رجال القسام، والفشل المدوي لضباط أمن الاحتلال الذين طالما تفاخروًا بقدرتهم على اختراق الفلسطينيين.
وأفشلت القسام من خلال مهمتها الأمنية المعقدة محاولة تفجير مرابض صواريخها، وضرب الروح المعنوية لمقاتليها ووحدتها الصاروخية.
الكاتب والمحلل السياسي أحمد أبو زهري، يؤكد أن المقاومة الفلسطينية انتقلت نوعيًّا خلال 2019 في عملها الاستخباري بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وهو ما يدلل على أن المقاومة وفي مقدمتها كتائب القسام راكمت الخبرة والقوة وعززت من إمكاناتها.
ويقول أبو زهري في حديثه لـ"فلسطين": "يظهر للعيان حجم الإنجاز الكبير والسيل المتدفق لهذه العمليات على مدار عام 2019، وحققت لها النجاح الذي سجل في الساحة الفلسطينية وكان أبرزه في الأداء الاستخباراتي.
وتميز عمل المقاومة حسب أبو زهري خلال 2019 على قدرة عالية في إخفاء المعلومات والاحتفاظ بجنود الاحتلال الأسرى، وإفشال كل منظومات البحث للوصول لأي خيط حول مصيرهم، وإبقائهم في صندوق مؤصد عجزت أمامه كل خبرات وتقنيات وقدرات الاحتلال.
واستطاعت المقاومة إخفاء المطلوبين للاحتلال، وإفشال محاولات تعقبهم وخداع الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة وإخفاقه في تحديد أماكنهم، أو القدرة على اغتيالهم وهذا عائد للسرية العالية والتكتيكات الخاصة، وهو ما يعد إنجازًا قويًا يسجل لهم.
وعملت المقاومة وفي مقدمتها كتائب القسام على حماية المرابض والأنظمة الصاروخية من الاستهداف والقدرة على إخفاء العمل عن منظور الطائرات، والقيام بهجمات صاروخية في ظل القصف المتواصل من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ونجحت خلال العام في "تحييد العملاء" من خلال العمل الميداني ونقاط المتابعة والكاميرات والتعقب المباشر ومتابعة الهواتف وحملات التوعية، إضافة إلى كشف جزء منهم، واستخدام آخرين لتوجيه هذا السهم إلى عنق ضباط الاحتلال وتحقيق نقاط إضافية لإرباك عمليات التجنيد.
ووجهت المقاومة ضربات قاسية للمنظومة الأمنية والاستخبارية الاحتلالية وحرق أوراق فرق كاملة من أبرز القوات الخاصة وأكثرها نخبوية في جيش الاحتلال، كوحدة وحدة "سيرت متكال" في عملية حد السيف وقتل قائدها وفضح تفاصيل عملها وأهدافها الأمر الذى أضر بعملها مستقبلًا في الساحة الفلسطينية أو ساحات أخرى.
وتمكنت المقاومة خلال 2019 من تضليل الاحتلال وممارسة الخداع عليه وتوفير سيل متدفق من المعلومات التي أوقعته في شباك المقاومة وأفشلت أهدافه.
ومن أهم ما أنجزت المقاومة خلال 2019، هو توجيه لكمة للاحتلال من ذات اليد التي جندها، وهي عملية سراب، التي استمرت عامين وانتهت بفضيحة مدوية للضباط المشغلين وفشل ذريع للأجهزة الاحتلالية وانكسار لمسار الأهداف والعمليات لديهم.
وتميزت المقاومة في القدرة على استخدام الأجهزة والبرامج والتقنيات التي ساهمت بشكل لافت في تعزيز الأداء الفني والعملياتي لأمن المقاومة وأسعفتها من تحقيق نقاط متقدمة في هذه المعركة الاستخبارية المستعرة.
"ولا تزال المقاومة الفلسطينية وفى مقدمتها القسام تحتفظ بتفاصيل كثيرة لم تفصح عنها، وما كشف هو شيء يسير مما حققته المقاومة، وأن الأيام القادمة ربما تحمل مفاجآت غير سارة للعدو الإسرائيلي الذى يلتزم تارة الصمت وتارة أخرى يحاول تبهيت ما تحققه المقاومة"، والحديث لأبو زهري.
ويسابق القسام الزمن لتطوير قدراته وإمكاناته الاستخبارية وفق أبو زهري، من خلال التدريب والتطوير وتطويع كل البرامج والتقنيات لصالحه لرفع مستوى الكفاءة وتعزيز القدرات وإيلام الاحتلال الإسرائيلي بضربات غير مسبوقة.
ويستدرك بالقول: "يعد الحدث الأبرز خلال 2019 والتي نجحت فيه المقاومة، هو حماية شبكة الاتصالات الخاصة وتأمينها من خلال وسائل وبرامج متقدمة وإحاطتها بسرية تامة وإفشال كل المحاولات للوصول إليها أو إمكانية اختراقها".
وكانت منظومة القسام حسب أبو زهري معضلة حقيقية أمام الاحتلال الإسرائيلي، في ظل عدم استخدام الوسائل التقليدية والشبكات العمومية التي يمكن لـ(إسرائيل) التنصت عليها ومتابعتها.
المختص الأمني، محمد أبو هربيد، يؤكد أن المقاومة خلال 2019 عملت على تثبيت قواعد الاشتباك، ومنعت الاحتلال من التغول على أهالي قطاع غزة.
ويقول أبو هربيد في حديثه لـ"فلسطين": "خلال العام كانت مسيرات العودة الحاضنة الأكبر، وأحد الأسباب التي أحدث عمليات تراشق بين المقاومة والاحتلال".
وشهد العام عدد من الجولات بين المقاومة والاحتلال، كان أبرزها وفق أبو هربيد، توجيه ضربة للعملاء والكشف عن بعضها، من خلال فيلم "سراب" الذي عرضه القسام في ديسمبر، وتحقيقه لانتصارات أمنية واضحة.
كذلك شكلت غرفة العمليات المشتركة حالة وحدة وقوة للمقاومة الفلسطينية، وذلك له بعد نفسي على الواقع الفلسطيني، وفق المختص الأمني.
وشهد العام، تزايد ثقة الجمهور الفلسطيني بالمقاومة وفق استطلاعات الرأي المختلفة، كما يؤكد أبو هربيد، إضافة إلى قدرتها على التفاهم مع الدول الإقليمية المختلفة.
وتعد استقالة وزير حرب الاحتلال أفيغدور ليبرمان، والحالة السياسية المعقدة لدى الاحتلال الإسرائيلي وعدم الوصول لاتفاق بين الأحزاب المختلفة، من الإنجازات التي تحسب للمقاومة الفلسطينية، وفق أبو هربيد.