كثيرة هي المواقف التي تمر في حياتنا التي تجعلنا نحن وغيرنا نقع في الذنوب، إلا أنّ هناك بعض الناس من يحاولون الفصل بين السلوك الخاطئ الذي يقومون به في الحياة وبين العبادة التي يمارسونها دون أي مشاكل.
فقد تجد شخصاً يؤدّي صلواته الخمس في المسجد، ويصوم ويزكي ويقيم كل شرائع الدين الإسلامي ويشهد الجميع بذلك، إلا أنه قد يكون قد أكل مالاً حراماً أو ظلم شخصاً في حياته أو ارتكب أي سلوك نهى عنه الدين.
مثل هذه التصرفات تعكس عن أزمة في الفهم للعلاقة بين العبادة التي يقوم بها الانسان بالتقرب لله تعالى وبين سلوكه في التعامل مع المحيطين به في حياته المجتمعية.
الداعية الإسلامي محمد خلة أوضح أن من أشر ما أصيبت به الأمة في هذا الزمان أنها أصيبت بأزمة الفهم لدينها، فهناك الكثير من الناس من يظن أنه إذا قدم بعض الطاعات لله فإنها تكفيه لدخول الجنة ولا دخل للسلوك السيئ في قبول العبادة وعدم قبولها.
وقال في حديث لـ"فلسطين": إنّ "الكثير من الناس الذين يؤدون العبادات لا يكترثون للكثير من السلوكيات السيئة التي قد تحجبهم عن قبول العبادة منهم أو حتى عن دخول الجنة، مرددين مقالة خبيثة غرسها أهل الكفر والنفاق في أوساط المسلمين ليهونوا على أصحاب الذنوب جرم ذنوبهم: "هذا ذنب .. وهذه عبادة" أي لا دخل للذنب في قبول العبادة أو عدم قبولها".
وأضاف خلة: "ما علم أمثال هؤلاء أن الله تعالى لم يفرق في قرآنه بين العبادة والسلوك، وأن هناك الكثير من السلوك ما يبطل العبادة مطلقا، ولذلك نجد أن الله تعالى قد جمع في كثير من سور القرآن بين العبادة والسلوك".
وأشار إلى أن مثال ذلك، قوله تعالى في سورة المؤمنون: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون". وهي عبارة عن عبادة.. "والذين هم عن اللغو معرضون" عبارة عن سلوك، "..والذين هم للزكاة فاعلون.." عبادة ".. والذين هم لفروجهم حافظون.." سلوك، "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" "سلوك"، "والذين هم على صلواتهم يحافظون" عبادة.
وبيّن خلة أنّ الله تعالى جمع في هذه السورة بين العبادة والسلوك حتي لا يظن الإنسان أن العبادة تُغني عن السلوك أو أن السلوك يغني عن العبادة، مؤكداً أن الانسان لو كان عابدا لله وكان سلوكه مع مجتمعه سيئا، فإن الله لا يقبل عبادته.
ونبه إلى أن الدليل على ذلك الكثير من المواقف والقصص التي سردتها السنة النبوية، ومنها: أن امرأة عابدة لله ماتت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر النبي بموتها ومدحها المسلمون بعبادتها، فقال النبي عنها: هي للنار لأنها كانت تؤذي جيرانها.
ولفت إلى أن حتى السلوك مع الحيوانات والبهائم يكون سبباً لرضا الله إن كان صالحاً أو سبباً لغضبه لو كان سيئاً، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة بغيا قد هداها الله وأدخلها الجنة بكلب وجدته عطشان عطشًا شديدًا فأسقته حتى ارتوى، وفي المقابل امرأة عابدة دخلت النار في هرة قد آذتها فقامت بحبسها حتى ماتت جوعا وعطشاً.
وذكر خلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن الله تعالى لا يقبل صوم عبد يقترف السيئات فقال عليه السلام في العبد الذي يقترف السيئات وهو صائم:" فلا حاجة لله من أن يدع طعامه وشرابه"، مؤكداً أن العبادة لا تقبل بدون السلوك الحسن، كما أن السلوك الحسن لا يقبل بدون العبادة.