بعد مماطلة طويلة من رئيس السلطة محمود عباس، للرد على حركة حماس والفصائل الفلسطينية التي قدمت ردودا إيجابية له حول إجراء الانتخابات، رفض إصدار المرسوم الرئاسي قبل حصوله على موافقة إسرائيلية رسمية لإجرائها في القدس المحتلة.
وعملت السلطة وحركة "فتح" على وضع العقبات والاشتراطات أمام الفصائل الفلسطينية قبل إصدار عباس المرسوم، كان أبرزها وفق ما كشفت الجبهة الشعبية عنه مؤخراً لصحيفة "فلسطين"، تسليم سلاح المقاومة للسلطة، ثم ضرورة اعتراف المرشحين بمنظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما يعني اعترافهم بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد تلك الاشتراطات، ربطت السلطة إصدار المرسوم بضرورة وجود موافقة إسرائيلية على إجراء الانتخابات بمدينة القدس، وهو ما رفضته الفصائل وطالبت أن يكون قرار الاستحقاق الانتخابي فلسطينياً وليس إسرائيليا، وعدم انتظار موافقة الاحتلال.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، كشفت أول من أمس، أن الاحتلال قرر تجاهل طلب السلطة السماح بعقد الانتخابات التشريعية في شرقي القدس المحتلة. ونقلت الصحيفة، عن مصادر إسرائيلية مطلعة أن القرار اتخذ بـ"عدم الرد على طلب السلطة بهذا الخصوص"، وذلك خلال جلسة عقدت مؤخرًا "بين أعلى المستويات".
المحلل السياسي والأكاديمي عادل سمارة، يؤكد أن السلطة غير معنية بإجراء الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية، لعدة أسباب أبرزها وجود خلافات عميقة داخل حركة فتح حول قوائم المرشحين.
يقول سمارة لصحيفة "فلسطين"، إن عباس سيتخذ رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس ذريعةً لتأجيل الانتخابات التي هو لا يريد إجراءها، إلا أنه يرى أن الانتخابات ممكن أن تحصل في حالة أصر الاتحاد الأوروبي وقادته على إجرائها، وشكلوا ضغوطات على عباس.
مواجهة العقبات الإسرائيلية
عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، إياد عوض الله، اعتبر في حديث سابق لصحيفة "فلسطين"، انتظار عباس الموافقة الإسرائيلية على إجراء الانتخابات في القدس تكريساً لاتفاق "أوسلو".
كذلك، أكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية طلال أبو ظريفة، أن الجبهة متمسكة بإجراء الانتخابات وإزالة كل العراقيل التي تقف أمامها، مطالبا قيادة السلطة بإجراء حوار لرسم استراتيجية وطنية لمواجهة العقبات الإسرائيلية.
وقال أبو ظريفة لصحيفة "فلسطين"، إن القدس المحتلة جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة، وعلينا خوض المعركة الانتخابية من خلال رؤية فلسطينية موحدة.
أما المحلل السياسي وسام عفيفة، فأكد أن الاحتلال يمارس نفس اللعبة التي يمارسها عباس مع الفصائل بقطاع غزة، من خلال عدم إعطاء أي رد رسمي حول الانتخابات، والاكتفاء بالتجاهل.
ويقول عفيفة، إن عباس لم يمارس أي ضغوطات على الاحتلال لإجباره على الموافقة لإجراء الانتخابات بالقدس، واكتفى بتقديم طلب بروتوكولي، كأنه يقدم للحصول على موافقة على التنقل.
ويضيف أن السلطة وجدت نفسها قد حشرت بالزاوية، حيث كانت تريد من البداية أن تكون المعركة الانتخابية ليست مع الاحتلال، بل مع حركة حماس والادعاء أنها سبب رفض إجرائها، لكن مع المرونة التي تم تقديمها من الحركة تم إرباك حسابات قادة السلطة.
ولا يوجد أي مؤشرات حول جدية عباس في إصدار المرسوم، بحسب عفيفة، خاصة مع التصريحات التي صدرت عن قادة السلطة التي كانت تنتظر رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس، وهو ما يعني غلق الملف.
ويرى عفيفة أن رهن كل الحالة الفلسطينية وإعادة تنظيم الإدارة والنظام السياسي بمرسوم رئاسي، والاستسلام لتعطيل الاحتلال وعدم الذهاب لأي حلول بديلة، يعد أمراً كارثياً بأن الوضع القادم سيكون أسوأ.
وعن وضع الحالة السياسية الفلسطينية في حالة لم يتم إجراء انتخابات، يشير عفيفة إلى أن عباس سيواصل التفرد بالقرار السياسي الداخلي والخارجي، ولن يتم التعامل معه من قبل العالم بأنه ممثل الشعب الفلسطيني، إضافة إلى أن الحالة الفلسطينية مقبلة على أزمة دستورية وسياسية.
قرار متوقع
حركة الأحرار، وعلى لسان المتحدث باسمها ياسر خلف، اعتبرت قرار الاحتلال منع إجراء الانتخابات في القدس "متوقعا وغير مفاجئ".
وأكد خلف لصحيفة "فلسطين"، أن المطلوب للرد على قرار الاحتلال رؤية وطنية موحدة تبدأ بإصدار المرسوم الرئاسي لإجبار الاحتلال والضغط عليه عبر خوض اشتباك موسع معه على الصعيد الإعلامي والدبلوماسي.
واعتبر قرار الاحتلال حيال طلب السلطة نتيجةً طبيعية لسياسة السلطة الهابطة وتساوقها وتسليمها له، وصولا لطلب الإذن منه بإجراء الانتخابات، مشددا على أن الانتخابات حق مقدس للشعب الفلسطيني، ومكفولة بالقانون.
وأردف أن القدس جزء أساسي من الوطن لا يمكن الاستسلام لرغبات وإجراءات الاحتلال بعدم إجراء الانتخابات فيها، والمطلوب من رئيس السلطة إصدار المرسوم الرئاسي لفتح حوار وطني معمق لتشكيل جبهة اشتباك وتشكيل رأي عام عالمي للضغط، ودفع الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس.
وشدد على أن حركته لن تقبل بمعادلة أخذ الإذن من الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس، وأن القبول بذلك يعني مضمونها ذريعة للتهرب من إجرائها، داعياً رئيس السلطة لإصدار المرسوم الرئاسي واحترام المجموع الوطني وإرادة الشعب الفلسطيني وحقه المقدس في إجراء الانتخابات.