ساعات عصيبة ينظر إليها المراقبون بعناية لما تحمل من تطورات دراماتيكية خطيرة، قد تؤدى لانهيار السلطة وتغير المشهد السياسي والأمني في الضفة الغربية، حيث تتهيأ لها المستويات الإسرائيلية كافة، لما تحمل من ارتدادات على الامن وباقي القطاعات الأخرى، الأمر الذي تخشاه أطراف فلسطينية منتفعة من السلطة.
إضافة إلى الأطراف العربية التي لا تريد تحمل مسؤوليات إضافية تجاه القضية الفلسطينية، ويمتد ذلك أيضا إلى المواقف الامريكية والأوروبية الداعمة والمساندة لـ(إسرائيل)، والتي يساورها هذا القلق وتبحث في الكواليس هذا السيناريو مع عديد من الأطراف، حيث نوقشت فيها الخطوات الكفيلة بمنع تحقق هذا السيناريو، وسرعة ملء الفراغ من بعد عباس عبر تجهيز خليفة له من ضمن مجاميع الورثة، الذين ينتظرون القفز إلى الكرسي. يحضرني هنا تقدير سابق للجنرال هرتسي هاليفي رئيس شعبة الاستخبارات أمام لجنة الخارجية والامن في الكنيست أن انهيار السلطة أمر ممكن الحدوث نتيجة غياب عباس.
وتكمن المعضلة الحقيقية في عدم وجود وريث طبيعي يخلفه، فالمحاولات العربية لترميم البيت الفتحاوي فشلت في إجراء مصالحات داخلية تفضي إلى تعافي فتح من أزماتها المتلاحقة وتنهي حالة التجاذب والاستقطاب بين قياداتها الداخلية، الأمر الذي ينبئ بتفجر خلاف فتحاوي فتحاوي تحت ما يسمى (حرب الوراثة).
فليس من السهل أن تتوفر الشخصية الكاريزمية التي يمكنها أن تقود وتحظى على إجماع فتحاوي وتمسك بالخيوط الثلاثة السلطة، والحركة، والمنظمة، وهناك صعوبات في ترشيح قيادة جماعية تقود لتمسك كل منها بشق من النفوذ والصلاحيات، ما لم تتدخل أطراف خارجية لرسم المشهد وتوزيع الأدوار، الإدارة الامريكية، وأطراف عربية، بحضور الرضا الإسرائيلي.
وهذا في المراحل الأولى قبيل اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والتي أتوقع أنها لن تحدث إلا بعد رحيل عباس، لأن طرفي هذه اللعبة الخطيرة السائدة الآن ليس لديهما نية بإجراء تغيير جوهري وفعال على سياساتهما؛ نتنياهو مكبل بمطالب اليمين والملاحق بفساده وتهمه، وعباس اليائس المريض يقضي أواخر عهده السياسي دون أن يتخذ خطوات استباقية لمنع العواقب المحتملة.
وعلى وقع حرب الوراثة والخشية من انهيار السلطة نستدعي سبب الخراب الذي أصاب السلطة وأوصلنا لهذا الواقع الكارثي:
• عوامل سقوط السلطة:
أولا: العمى السياسي الذي أصاب رأس السلطة، التفرد، والاقصاء، وتركيز السلطات في يد واحدة.
ثانيا: الاستحواذ والاحتكار المفروض من النظام السياسي لصالح حزبه ومقربيه.
ثالثا: الفساد السياسي والإداري أحد أهم المشكلات ومعرقلات البناء الديمقراطي والوطني.
رابعا: غياب الرؤية الوطنية الموحدة، وتحييد مكامن القوة، وإفشال المصالحة.
خامسا: الاستقواء بأطراف خارجية، لمحاصرة شعبنا، ومعاقبته وملاحقة الخصوم السياسيين، وتبني أجندة غير وطنية من المنظومة الأمنية الفلسطينية (التنسيق الأمني).
ويمكننا التوقف هنا قليلًا عند مقولة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع (الظلم مؤذن لخراب العمران) وكأنه يتابع اليوم بيننا ما تفعله السلطة وهي تهاجم المنازل مع ساعات الفجر الأولى لتعتقل المناضلين الفلسطينيين، والذي يرى أيضا أن الدول تمر بعدة أجيال لنقف عند الجيل الثالث والذي يحاكي واقع السلطة.. وهو الجيل الهادم ويسوده الترف والطمع، فتسقط فيه الدول والحضارات، يحاولون إظهار القوة، يحتكرون السلاح والجيش، ويلبسون الشارة والزي، يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النساء.
أحوال ليست غريبة فهي ممتدة من صور مختلفة في هذا التاريخ فقد عانى السلطان عبد الحميد من بعض الوزراء وسئم من خيانتهم الداخلية واتفاقهم سرا مع العدو، وقد جاءت ثورة بني العباس على بني أمية لتهاونهم في تنفيذ مطالب الإصلاح التي أتت على ملكهم ليصبح أثرًا بعد عين.
ويبقى الحديث عن احتمالية انهيار السلطة قائم، وظهور حالات الفوضى في الضفة أحد السيناريوهات المحتملة، فالجني يوشك أن يخرج من القمقم، فالمستشرق الإسرائيلي بنحاس عنبري لم يخفِ قلقه وهو يقول: قادة المجموعات المسلحة التابعة لفتح بدؤوا بالتسلح.
ولكن (إسرائيل) ستكافح من أجل بقاء السلطة لأنها لا تريد واقعا أمنيا جديدا لصالح المقاومة الفلسطينية، وهي في غنى عن تحمل مسؤوليات الضفة الغربية أو إدارة شؤونها، فبقاء السلطة مصلحة إسرائيلية، عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح تحدث بذلك صراحة أن انهيار السلطة هو انهيار لـ(إسرائيل) وفى حال انهارت هذه القلعة ستنهار قلاع كثيرة.