لاعتماد بلادنا على التقويم الميلادي فإننا تعودنا أن انتهاء عام ميلادي وبداية عامٍ جديد يعدّان نقطة فاصلة، ونهاية وبداية جديدتين في حياتنا.
حقيقة أن الجميع يتحدث في كل عام عن التخطيط والتنظيم، وضرورة جرد العام السابق، والوقوف على إنجازاته وهنّاته، وكتابة خطة للعام اللاحق سعيًا للتغيير والتطوير، وهذا ربما يعد الأمر الأكثر أهمية بلا منازع، في مثل هذه الأوقات.
لكن ورغم ذلك نجد أن كثيرًا منا أنهى عامه وبدأ الآخر دون تغيير ملموس في حياته، وقد يكون ممن وضع خطة مُحكمة لا يشق لها غبار على صعيده الشخصي والاجتماعي ..إلخ.
فلنؤكد أولًا أن البداية الحقيقية ليست مرتبطة بعام أو حدث معين، بقدر ارتباطها بقرار ذاتي، وأحب هنا أن أنقل بتصرف مقدمة في كتاب الشيخ المجدد محمد الغزالي "جدد حياتك" حين يقول: "كثيرًا ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته، لكنه يقرن هذه البداية بموسم معين أو مناسبة خاصة أو غُرة عام مثلًا، وهو في هذا التسويف يشعر أن رافدًا من القوة المرموقة قد يجيء مع هذا الموعد، وهذا وهم؛ فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس".
الأمر الثاني في هذه القضية هو أن نتخلص من بعض ما لا يلزمنا في حياتنا، وهذا الأمر أشبه بشخص يرغب في السفر ويضطر لأن يأخذ ما يراه مهمًا وفقط، حتى لا يثقل كاهله ولا يدفع ضريبة إضافية أو جمركًا على الأحمال الزائدة، وهو سيكتشف حينها أن كثيرًا من الأمور التي أحاط بها نفسه كل يومٍ، كانت قيودًا فرضها هو على نفسه، وليست نفسه بحاجة لها فعلًا!
لذا فمن المهم أن ينظر الإنسان في كل ما يحيط بحياته اليومية، وهذا النظر يشمل الحاجات المادية المحسوسة، والحاجات المعنوية كالعلاقات بالآخرين، ولا بد أن يدرس الإنسان جيدًا (ما ومن) الذي استفاد منه ليبقيه معه في عامه القادم، و(ما ومن) الذي أثقل كاهله دونما فائدة فيتخلص منه.
هذه الخطوة لا تقل أهمية عن التخطيط لعامك المقبل، بل إن التخطيط وحده لا يكفي إن لم يفعل الإنسان منا ذلك، وهذه الخطوة هي الأكثر صعوبة ودقة بين مرحلتين مهمتين في حياتنا، بل هي الفرق الحقيقي الأول الذي سنشعره بمجرد تطبيقها في حياتنا.