فلسطين أون لاين

​هل في الوظيفة مميزات تغيب عن العمل الخاص؟

...
غزة - فاطمة أبو حية

العمل الخاص حلم الكثير من الشباب، لما له من خصائص تجعل له الأفضلية على العمل في وظيفة في أي مؤسسة، ولكن هل للعمل الوظيفي مميزات لا تتوفر في العمل الخاص، سواء على الصعيد المهني، أو على صعيد الخبرات الشخصية والحياتية التي يستفيد منها الموظف من خلال احتكاكه ببيئة العمل؟.

خياراتٌ أكثر

"سمر النباهين" تنقلت بين عدة وظائف على مدار 10 سنوات، إلى أن انتقلت إلى العمل الخاص الذي اتخذت من مطبخ بيتها مقرًا له، تقول: "عملتُ كموظفة إدارية في مؤسسات حكومية وخاصة ودولية، وبدأت بالعمل الخاص قبل عامين تقريباً".

وتضيف لـ"فلسطين": "يتميز العمل الخاص عن العمل الوظيفي بوجود مساحة أكبر من الخيارات، وبالحرية الشخصية في تنظيم ساعات الدوام، وكمية العمل، ومن خلال تجربتي يستطيع الإنسان أن يصقل مواهبه وينميها، ويجد الفرصة للإبداع بدرجة أكبر في العمل الخاص، مما يؤدي الى إنجاز أكبر على الصعيد الشخصي، أما العمل الوظيفي فالإنجاز والنجاح فيه يكونان لصالح المؤسسة التي يتعب فيها الموظف لساعات طويلة يومياً".

وتتابع النباهين: "الحياة العملية ضمن مؤسسة ومجموعة من الموظفين تُكسب الشخص ثقة في النفس وجرأة أكبر، وذلك من خلال المشكلات التي تواجهه ومن كيفية تعامله معها وحلها، وكذلك في العمل الخاص يحتك الشخص بالناس من خلال تعامله مع زملائه وزبائنه، فهناك فريق عمل وإنتاج وادارة مالية، أي أن بيئتي العمل لا تختلفان كثيراً".

وتؤكد أن العمل الخاص عندما يكون عبر الإنترنت لا يفرض على صاحبه عزلة كونه يتواصل مع الآخرين من خلف الشاشة، وإنما هو العكس تماما يفيده بقدر ما ينتشر، خاصة الانتشار يكون كبيراً عبر الإنترنت.

ومن وجهة نظر النباهين، فالأفضل أن يبدأ الفرد حياته المهنية باكتساب الخبرة أولا من خلال العمل في المؤسسات، وبالالتحاق بالدورات التدريبية، ولو كان متطوعا ستتكون لديه آفاق لرؤية واضحة عن مستقبل قد لا يكون يعرف عنه شيئاً، على حد قولها، مبينة: "أي أنه من الجيد أن يبدأ الفرد بالعمل لفترة قصيرة كموظف ثم ينتقل لعمله الخاص".

ليعرف ما يناسبه

ومن جانبها تقول رزان الخزندار التي تدير عملها الخاص من بيتها: "عملت في وظائف كثيرة قبل إطلاق مشروعي الخاص، تنقلت بين مؤسسات وشركات خاصة؛ لكن لم أتقبل العمل الروتيني، ولم أرغب بالاستمرار فيه، لأنّه يحدّ طموحاتي وإبداعاتي، ولذا قررت أن أؤسس شركتي".

وتضيف في حديثها لـ"فلسطين": "الوظائف مناسبة جدا لذوي الشخصيات الروتينية والتقليدية، أما العمل الخاص ففيه تجديد دوماً، ويناسب الشخصيات القيادية التي لا يقبل أصحابها أن يتقيدوا بحدود الوظيفة وأن يتلقوا الأوامر من مدراء العمل".

وتتابع الخزندار: "تعويض أي مميزات للوظيفة يكون من خلال التجربة التي تعلم الكثير، وكذلك الحرص على إتقان مهارات جديدة"، مواصلة بمثال من خبرتها: "درست برمجة الحاسوب والتصاميم، ولم أكن أملك خبرة في العمل الإداري أو المحاسبة، لذا تعمقت في العمل، ولأجرب كل جديد وأتعلم من الخطأ أو أنتبه له قبل وقوعه أصلا، وبذلك تعلمت ما يلزمني في عملي".

وتصف العمل عبر الإنترنت بأنه سلاح ذو حدّين، ذلك لأنه من ناحية يمنحها الحرية في التصرف والتعامل مع الزبائن، ولكنه من الجانب الآخر يحول دون تكوين العلاقات مع الزبائن بالطريقة التي تريدها، إذ يجعل بينها وبينهم حاجزاً، مبينة: "الربح المادي أكبر من ربح العلاقات في هذا العمل، والعلاقات مهمة جداً بالنسبة لي، وهنا تكمن المشكلة".

وترى الخزندار أن "الخريج يجب أن يجرب كلا من الوظيفة والعمل الخاص، كي يعرف ما يناسب شخصيته لأن الإنسان يبدع فيما يحب، فالبعض قد لا ينجح إن أسس أي مشروع بسبب صفات شخصيته، وهناك من لا يمكنه البقاء أسيرا لتوجيهات رؤساء العمل".

الأولوية للخاص

وتعقيبا على ذلك، يقول المحلل الاقتصادي الدكتور معين رجب لـ"فلسطين": "لكل مجال منهما أهميته وميزاته، فالعمل الفردي يُقدم عليه أصحاب الإرادة القوية ممن يجدوا في أنفسهم الكفاءة والطموح ليتحملوا مسؤولية عمل بمفردهم وتقع عليهم نتائجه سواء كانت النجاح أو الفشل ويكون صاحب المشروع هو صاحب القرار، وبالتالي حصيلة هذا النشاط تعود عليه، لذا يحرص حرصا تاما على نجاحه، فيلجأ لبذل أقصى جهد ممكن، لأن العمل الفردي يحتاج لتكريس الوقت بشكل كبير، لكي يشرف الشخص على العمل بنفسه لساعات طويلة يوميا، بالإضافة إلى أنه صاحب القرار في تحديد رأس المال المطلوب، وتوفيره، وطبيعة النشاط، والزبائن".

ويضيف: "ومثل هذه المشاريع الفردية لا يلزمها إجراءات كبيرة معقدة، لأن صاحبها يتخذ بمفرده القرارات، خاصة لو كانت صغيرة الحجم لا تحتاج لأكثر من فرد، ويُقبل عليها من يرون أن لديهم القدرة على اتخاذ القرار بلا مشاركة من الآخرين، ولا يرغبون بأن تُملى عليهم الأوامر".

ويتابع: "العمل الفردي مُبسط من حيث الإجراءات، لكنه يتطلب جهداً كبيراً ليغطي احتياجاته، مثل العمل لساعات طويلة".

وعن العمل الوظيفي، يبيّن رجب: "العمل الوظيفي سواء كان حكوميا أم خاصا أم في مؤسسات أهلية، يتسم بالندرة في الوقت الحاضر، ولكن إذا توفر فسيكون فيه أشخاص لا يتوفر لديهم الطموح الكافي، ولديهم قناعة بمردود العمل وينتظرون دخله الثابت والمنتظم دون أن يتحملوا مسؤولية الربح والخسارة التي تمر بها المؤسسة".

ويوضح: "العمل المفرد به مرونة كافية ولا يحتاج لبيروقراطية أو روتين، بالتالي يعتمد على سرعة التصرف من صاحب العمل، والذي يستطيع أن يحتك بالمواطنين والزبائن ويسوّق سلعته بحرية الكاملة، بخلاف الموظف الذي يلجأ للمؤسسة بهيكليتها ومسؤوليها، وهنا تكون الخبرة أقل".

وبحسب رجب، فالأفضل أن يتفرغ الإنسان لعمل محدد ليكون تركيزه عليه، دون تشتت، ولكن إذا كان موظفاً بساعات دوام محددة فبإمكانه أن يوجد عملاً خاصاً إلى جانب وظيفته، ولكن لا يبحث عن وظيفة إلى جانب عمله الخاص، لأن الأولوية للعمل الخاص والتركيز عليه.