فلسطين أون لاين

ما فعلته اتفاقية أوسلو؟

ترتب على اتفاقية أسلو خلطٌ كبير للأوراق، فلم يعد الفلسطيني يعرف من القادم لاعتقاله في منتصف الليل، هل هو جيش الاحتلال أم قوات الأجهزة الأمنية الفلسطينية؟ وانتشر على لسان الأمهات والعجائز: "مين جيش ولا سلطة؟"، وصار الفلسطيني لا يعرف إلى أي سجن وأي سجان؟!

لم يعد الفلسطيني المحسوب على قوى المقاومة يعرف عدد السجنات ولا تواريخها ولا عند أي الطرفين؟ فما أن يخرج من سجن حتى يدخل في آخر، ويستقبل المهنئين بالإفراج ليستقبلهم مرة أخرى من ترويحة جديدة.

وإذا عاد من استجواب هنا، وجد ورقة استدعاء آخر لدى جهاز من الأجهزة، مرةً عند الوقائي وأخرى عند المخابرات حتى تندر الشباب (لم يبقَ سوى الدفاع المدني لم يعتقلنا ولم يستدعنا للتحقيق)؟ سياسة الباب الدوار!

الأسئلة في التحقيق واحدة، لا يُسأل الشاب عن شيء لدى الاحتلال إلا كان سئلَ عنه عند حراس التنسيق الأمني، والملف الذي يُكتب بين يدي المحقق في المقاطعة تجده بين يدي المحقق في المسكوبية أو الجلمة أو عسقلان!

"إن البقر تشابه علينا"؟ من المسؤول عن المنطقة الفلانية، يأتيك ضابط المخابرات الإسرائيلية ويعرف نفسه (فلان) مسؤول المخابرات عن قريتكم وأحببت التعرف عليكم، وتسمع نفس الوصف ونفس الوظيفة من ضابط الوقائي وضابط المخابرات الفلسطيني أنا مسؤول منطقتك.

إذا احتجت شهادة (حسن سلوك) فالحصول عليها مستحيل أو شبه مستحيل، مستحيل أيضًا تحصيل تصريح خروج إلى الأردن، أو للعمرة، أول لزيارة الأقصى، من المسؤول ومن يملك القرار!

أوسلو حفرت عميقًا في قناعات الفلسطينيين، وهدمت المحرمات كافة، وغيَّرت القيم وضيَّعتْ الحقوق وتنازلت عن ثلثي الوطن، بدلتْ الحقائق -انظر- صاروا يكتبون (أراضي السلطة الفلسطينية) ويطلقون على ما وراء الخط الأخضر (إسرائيل)، داسوا على الشعب إذ أصبح العدو شريكًا، وصاروا يسمونه الطرف الآخر.

اعترفوا لدولته بحق الوجود الآمن، واعترف العدو لهم بأن (م ت ف) الممثل الشرعي للفلسطينيين، لكنه أخر الحديث عن القدس؛ حدودها وجغرافيتها وسكانها ومقدساتها، يوجد قدس في أبو ديس! أو في الرام! والتزموا ألا يمارسوا أي نشاط للسلطة فيها فإن حصل فبتوافق مع الاحتلال لملاحقة المقاومين، أو يقوموا بالنشاط بسرية تحت طائلة الملاحقة والاعتقال.

في أوسلو تم تأجيل البحث في موضوع الاستيطان دون التزام الحكومة الصهيونية بوقفه أو تجميده، فتضاعف أضعافًا كثيرة.

أما المُعترِين اللاجئين فقدمت السلطة وعلى لسان رئيسها ضمانات بعدم إرجاعهم إلى مدنهم وقراهم، (وأننا لن نغرق (إسرائيل) باللاجئين العائدين)؟! (وأنا لا أريد العودة إلى صفد)؟!

منذ أعادتْ قوات الاحتلال احتلال المناطق A في الضفة الغربية لم تطالب السلطة بانسحاب هذه القوات، بل توافقتْ معها على منحهم (الحق) في ممارسة المطاردة الساخنة والدخول إلى كافة المناطق A-B-C متى أرادوا، وفقط يبلغوا التنسيق الأمني بوجود نشاط أمني في منطقة كذا أو قرية كذا فتعلن السلطة لقواتها حالة (0-0) وبمقتضاه تدخل قوات الأمن الفلسطينية إلى مقراتها، وتنكس فوهات أسلحتها إلى الأرض.

صنعوا عدوًا جديدًا داخل الصف الفلسطيني، الإرهاب، وقوى الظلام التي تعمل لخنق (الحلم الفلسطيني، والدولة الفلسطيني)، فقاموا بمطاردة المقاومين الفلسطينيين وقتالهم وتسليمهم أو اعتقالهم، كما قامت الأجهزة الأمنية باعتقال واستدعاء المعارضين السياسيين، واعتقلت كل واحد يقدم مساعدات لأسر الشهداء والأسرى، هذه الممارسات تزرع في الأجيال الجديدة حالة من الغموض والإرباك والتيه!

ومما أحدثتْه أوسلو التزام بنبذ العنف وملاحقة (الإرهابيين) يعني المقاومين وهم بذلك يدينون كل رصاصة أطلِقت من الرصاصة الأولى إلى الرصاصة الأخيرة، ويُدينون الشهداء والأسرى والجرحى والثوار الذين حملوا السلاح في وجه المحتل، لأنهم ببساطة اعتبروا المقاومة إرهابًا يجب أن يحارب.

وَمِمَّا نجحتْ فيه أوسلو ودايتون تحويل الثوار المناضلين إلى حراس على أبواب وطرق المستوطنين وقوات الجيش المعتدي، وتحويل الثورة إلى مقاول أمني يأخذ راتبه مع نهاية كل شهر.

أوسلو كارثة كلها، والعدو أسقطها ويرفض تنفيذها، والمتنفذون مستمسكون بالنواجذ بشروطها والتزاماتها.

--