القراءة الهادئة لبيان مكتب السيدة بن سودا المدعي العام للمحكمة الجنائية، تؤشر على قضيتين بالغتي الأهمية: أولًا أن الفحص الأولي التمهيدي مرحلةً انتهى، وهي تقرر الانتقال إلى التحقيق دون إذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة، وثانيًا أنه تولد لديها أساس قوي بأن جرائم حرب قد ارتكبت، وبذلك قرارها هذا أصبح وثيقة برسم التاريخ، ويدعم المطالب الفلسطينية، وهو لم يعد ادعاء بل حقيقة، والقرار هو ثمرة جهود تستحق التقدير لفريق وزارة الخارجية، وآخرين في السلطة الفلسطينية، ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، الذين عملوا بمهنية ومسئولية تستحق الإشادة.
وحتى لا يكون الموضوع معركة في العلاقات العامة إن الحقيقة أن التحقيق نفسه لم يبدأ، ورُبط الشروع فيه بحسم قضية الولاية الجغرافية، أي هل تمتلك دولة فلسطين الحق في إحالة الملف بالنظر إلى أن أراضي دولة فلسطين مازالت تحت الاحتلال؟، وهو ما أحالته المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة لأن تقرر فيه حتى تتمكن من الشروع في التحقيق، وكما أشارت في بيانها حتى لا يجري التحقيق وبعد ذلك يثير قضاة المحكمة موضوع الولاية الجغرافية، وهي ترى ضرورة حسم الموضوع ابتداء، وهو ما أرى أنه كان يجب أن يكون محسومًا لديها فور قبول طلب الإحالة من دولة فلسطين واستنادًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠١٢م، الذي اعترف بالصفة القانونية لدولة فلسطين، وإن كانت دولة غير عضو في الأمم المتحدة، لذا وجب عقلنة كل خطاب المحكمة وتمثل كل المحاذير، فإذا كان رد الدائرة التمهيدية سلبيًّا، وهو ما يجب أن يكون خلال ١٢٠ يومًا، وقد مدد ٦٠ يومًا إضافية، أي ما لا يتجاوز ستة أشهر؛ فإنه عندها يمكن لدولة فلسطين التقدم بالطعن في القرار، وفي هذه الحالة لا محددات زمنية للقرار في الطعن المقدم، الذي قد يستمر أشهرًا أو سنوات قبل أن تقرر الدائرة فيه، وإذا كان إيجابيًّا عندها وجب على المدعي العام مباشرة التحقيق فورًا، وهو أيضًا ليس محكومًا بسقف زمني.
الانتقال إلى هذا المستوى المهم من عمل المحكمة يستوجب الاستعداد للقادم بمستوى عال من التحضير القانوني والسياسي، والمحكمة في نهاية الأمر فضاء نمتلكه لتعظيم الاشتباك القانوني لتظهير غياب العدالة والمحاسبة وعدم نصفة الضحايا من شعبنا