"لا تطعمه سمكة كل يوم، بل علمه كيف يصطاد" كانت هذه المقولة التي انطلق منها الشاب منذر القصاص (39 عامًا)، لمساعدة مصابي الشلل الرباعي الكامل.

وتمكن القصاص من الحصول على المركز الأول لقلادة مؤسسة الأمير محمد بن فهد العالمية للأعمال التطوعية في الوطن العربي، عن فئة الفرق والمبادرات والأفراد في المجال الإنساني التنموي، التي أقيمت في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) 2019م، تزامنًا مع اليوم العالمي للتطوع، ونظمها الاتحاد العربي للتطوع في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة.

وحاز القصاص المركز الأول في جائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع عام 2008م، وحاصل على براءة اختراع من وزارة الاقتصاد الوطني في غزة عام 2005م عن اختراعه جهاز (زايد) لتقليب صفحات الكتاب لذوي الإعاقة المصابين بالشلل الرباعي.

القصاص الذي حرم دراسة الهندسة الكهربائية في الجامعات الفلسطينية بالقطاع لتدني معدله في الثانوية العامة لجأ إلى دراسة الدبلوم المتوسط تخصص علوم سياسية، مع مواصلة تنمية موهبته في ابتكار الاختراعات الخاصة بذوي الإعاقة.

كان حب الفضول والاستطلاع يلازم القصاص، منذ صغره، فكان مولعًا في طفولته بتفكيك وتركيب ألعابه، والتعرف إلى توصيل الدوائر الكهربائية وآليات عملها ومكوناتها إلى أن تمكن من اختراع (روبوت) لتقليب صفحات الكتب لمصابي الشلل الرباعي.

جهاز تقليب صفحات الكتب من أبرز الاختراعات التي أحدثت ثورة في حياة المصابين بالشلل الرباعي الكامل، الأمر الذي يمكنهم من قراءة الكتب واستخدام الحاسوب في التعلم والتواصل مع الآخرين كما أقرانهم الأصحاء.

ونبعت فكرة اختراع جهاز تقليب صفحات الكتب أوتوماتيكيًّا خلال زيارة القصاص إلى أحد معارض الكتاب في مدنية غزة، فأثر في نفسه مشهد لمعاق يجلس على كرسي متحرك يحاول تقليب صفحات الكتاب الموجود أمامه لكنه لم يستطع.

ويتابع: "ظل الموقف يراودني وبدأت أفكر في كيفية مساعدة المصابين بالشلل الرباعي الكامل، إلى أن نجحت في تصميم جهاز قادر على تقليب صفحات الكتاب أوتوماتيكيًّا بعد برمجته مدة زمنية تناسب سرعة قراءة المصاب لصفحات الكتاب، أطلقت عليه منذر القارئ".

ولم يتوقف القصاص عند هذا الحد بل عمد إلى تطوير جهازه، ليصبح أصغر حجمًا ويمكن صاحبه من تقليب صفحات الكتاب بتحريك الرأس يمينًا ويسارًا.

ويتكون الجهاز -بحسب شرح مالكه- من صندوق بلاستيكي يوضع بداخله الكتاب على شكل لفائف من الورق ويشحن بالكهرباء ويعلق مقابل المعاق، أما الجزء الآخر منه فهو عبارة عن لوحة للتحكم تثبت على كرسي المصاب أسفل رأسه من الخلف، بحيث تتيح له قراءة الكتاب وتقليب صفحاته لاسلكيًّا بتحريك الرأس يمنًا ويسارًا.

ويواصل: "إن مراحل تطوير الجهاز لم تتوقف عند هذا الحد، بل كان طلب أحد المصابين بالشلل الرباعي مساعدته على الجلوس قبالة جهاز الحاسوب مصدر إلهام جديد لتطوير جهازه، ليصبح أكثر فاعلية، إذ يمكن المصاب من الجلوس إلى الحاسب واستعماله بوساطة الرأس في الكتابة والتصفح والتحدث إلى الآخرين".

مساعدة المحتاجين

أيضًا تمكن القصاص من تطوير كراس كهربائية لأصحاب الشلل الرباعي الكامل، تعمل بحركة ذقن المصاب، ما يمكنه من التنقل دون مساعدة من أحد.

ويلفت إلى أنه عزم على هذا الابتكار وتقديمه للمصابين بالشلل الرباعي، نظرًا لعدم توافره في القطاع، ولارتفاع سعره الذي يصل إلى 13 ألف دولار أمريكي، ولعدم مقدرتهم على اشترائه، وفق قوله.

وتمكن القصاص من اختراع جهاز يحول الصوت إلى اهتزازات، خاصًّا بفئة "الصم" ممن يعانون فقدان السمع العميق، يبين أن الجهاز يرسل إشارات اهتزازية لتنبيه الوالدين عند صراخ ابنهما وهما نائمان، ما يمكنهما من رعاية طفلهما.

ولم يكتف عند هذا الحد، بل طور أدوات طعام خاصة بالأشخاص الذين يعانون ضمورًا بالعضلات، يوضح أنه خصص معظم اختراعاته لخدمة ذوي الإعاقة، لشعوره بتقصير المؤسسات الرسمية والأهلية في مساعدتهم، مشيرًا إلى أن كل أجهزته أهداها لذوي الإعاقة بالمجان.

تمويل ذاتي

ويمول القصاص اختراعاته من الراتب الذي يحصل عليه من عمله بإدارة العلاقات العامة في وزارة المالية بغزة، معربًا عن سعادته وفخره باستفادة المعاقين من اختراعاته.

وشارك في معارض دولية عدة نال خلالها جوائز عالمية، ولم يفز في أخرى لعدم تمكنه من السفر، بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 13 سنة تواليًا، ولاشتراط القائمين عليها وجود مخترعها.

واختير القصاص ضمن 30 شخصية صانعة للأمل على مستوى الوطن العربي عام 2017م، التي يطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بفضل اختراعاته التي تساهم في صناعة الأمل للأشخاص ذوي الإعاقة، وحصل عام 2008م على جائزة فلسطين للتميز والإبداع عن مجال الاختراع والابتكار.

ويطمح إلى مواصلة مشواره في ابتكار أجهزة المساعدة للأشخاص المصابين بالشلل الرباعي الكامل، لدمجهم في المجتمع ويغادروا أسرَّتهم التي شبهها بـ"السجن".