فلسطين أون لاين

هل من مؤتمر للفقر؟!

لو كان الفقر رجلًا لقتلته. مقولة رائعة تحارب الفقر بذاته، وتحاربه في تداعياته، وجلّ تداعياته، أو كلها تداعيات سلبية، على مستوى الدين أولًا، ثم على مستوى النفس ثانيًا، ثم على مستوى المجتمع ثالثًا. الفقر قد يدفع صاحبه لتجاوز بعض ما شرع الله، كالسرقة والرشوة والفساد، وقد يدفعه لخيانة مجتمعه، والعدوان على غيره، وعلى الممتلكات العامة لإشباع جوعته، وكل هذه المفاسد وغيرها تعود على نفس صاحبها بالعار والذلة والعذاب في الدنيا والآخرة.

لا علاج للفقر بغير العمل والحركة، فكلما عمل الرجل أكثر وتحرك أكثر، كلما زادت فرصه في التغلب على شبح الفقر، ومن ثمّ كان العامل الكاسب خير من الزاهد القاعد، الذي يتلقى طعامه من الصدقة، فاليد العليا عادة خير من اليد السفلى، ولكن غزة يا سادة تعاني من قلة العمل، وتسودها بطالة عامة هي الأعلى نسبة في العالم، وتقول بعض المصادر أن ربع مليون عاطل عن العمل في غزة، وتبلغ بطالة الخريجين الجامعيين نسبة 90%، ويكاد حامل البكالوريوس يعمل بالسخرة، حيث لا يتجاوز راتبه 1000 شيكل، وكثير منهم يعمل ب500 شيكل في الشهر. وهو مبلغ لا يغطي حاجته اليومية، ولا تعينه على الزواج، ولا على دفع أجرة بيته، ولا تعليم أولاده في المدارس أو الجامعات، وبما أن البطالة عالية النسبة، وأن العمال والخريج لا يجد عملًا، فإن الفقر هو الحاضر وهو المستقبل، وهذا ينعكس سلبا على كل مظاهر الحياة في المجتمع.

إن أهم نتائج اتفاقية أوسلو وتوابعها هذه الحالة من الفقر والبطالة، وإن من أهم نتائج فساد الحكم، وانتشار الرشوة، هو هذه الحالة التي تشكو منها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الحالة نفسها التي أخرجت المواطنين اللبنانيين للتظاهر في الشوارع طلبًا للعمل، وقمعًا للفساد.

قد يكون الحصار الصهيوني عاملًا رئيسًا في نشر الفقر والبطالة في غزة، ولكنه ليس عاملًا لها في الضفة الغربية أو لبنان، وإذا كانت غزة تقاوم الاحتلال لتحرير الأرض، فهي أيضًا تقاومه للخروج من الحصار ومن البطالة والفقر، ولكن من أدوات الفقر والبطالة السلطات الفاسدة، التي لا تعمل للشعب، وتعمل للأولياء من نخبة الحزب.

نعود لمقولة لو كان الفقر رجلًا لقتلته، وهو ليس رجلًا حتى نقتله، بل هو حالة اجتماعية اقتصادية سلبية، لها أسبابها المذكورة هنا وغير المذكورة، ومن ثمّ فالمقولة توجهنا إلى مقاومة هذه الظاهرة وقتلها، ولكن يبقى التوجيه ناقصًا إذا لم يبادر أهل الرأي في كل بيئة في بيان آليات العمل الخاصة بها للقضاء على هذه الحالة، التي تكاد تكشف أسرارًا مستورة وتلقي بها إلى الشارع، أو إلى معرة التسول.

الشعب يريد عملًا، والخريج يريد عملًا، والجامعات تريد طالبًا يدفع الأقساط، وعيون العلماء في الجامعات الغزية باتت تقلب جامعات الدول الخارجية بحثًا عن لقمة عيش كريمة. المؤسف أن المنطقة العربية على الجملة هي أغنى مناطق العالم، وفيها أفقر مناطق العالم أيضا، فهل من مؤتمر جامع يناقش هذه القضية، في زمن أكل فيه الحاكم مال العامة؟!