تعد مشكلة المخدرات مؤرقة لأي مجتمع؛ لما تشكله من تهديد حقيقي للنسيج المجتمعي ونشر هذه الآفة بين فئات مختلفة خاصة الشباب.
وقد يرتبط بهذه المشكلة انحراف أخلاقي يؤدي إلى السقوط الأمني من خلال استغلال هذه الفئات.
حاورت صحيفة "فلسطين" رئيس مشروع مكافحة المخدرات ضمن اللجنة الوطنية لتعزيز السلوك القيمي د. يحيى خضر، الذي يقول: "كان لا بد من تفعيل لجنة مكافحة المخدرات والاستمرار في معالجة مشكلة المخدرات على كل الأصعدة بالتعاون مع جهات الاختصاص، سواء كان ذلك ضد تجار المخدرات أو المروجين أو الذين لهم أي صلة في هذه المشكلة".
الاحتلال سبب رئيس
ويلفت خضر إلى أن مشروع مكافحة المخدرات هو أحد المشاريع الستة المنبثقة عن اللجنة الوطنية المذكورة، مشيرًا إلى أن لجنة مكافحة المخدرات سبقتها بمدة، لكونها لجنة قانونية سنها القانون الفلسطيني عام 2013، ونفذت العديد من الأنشطة، منها إقامة مركز الفطام من المخدرات.
وبسؤاله عن واقع المخدرات في قطاع غزة، يشدد على أن وضع المخدرات في القطاع ليس بالظاهرة الكبيرة، وليس بذات الإشكالية كما في المناطق الإقليمية من حولنا، لكن نقول –رغم ذلك- أن سقوط أحد أفراد المجتمع الفلسطيني في هذه الآفة نعده جريمة ويجب أن نحصنه منها، لأننا معنيون بكل فرد فلسطيني، فمجتمعنا مقاوم وواعٍ والأصل أن نحافظ عليه بكل مكوناته.
ويقول: إن المخدرات مادة مسكرة، ومن مصادرها: الطبيعيُّ والمصنَّع والمخلط، مبينًا أن الدارج في قطاع غزة الأدوية مثل الترامادول والأدوية النفسية، إضافة إلى الحشيش أكثر من أي مواد أخرى.
ويوضح أن أغلب المدمنين في القطاع على الترامادول وبعض الأدوية النفسية، وفي الضفة على الأفيون ومواد أخرى، وهناك 5% من إجمالي المتعاطين مصابون بالالتهاب الكبد الوبائي.
ويقول: "طبيعة قطاع غزة محافظة، لكن هناك محاولات كثيرة للاحتلال للزج بالشعب الفلسطيني في المخدرات، وتتداعى أسباب أخرى كالحصار والبطالة والفقر"، مضيفًا: "هذه كلها مسببات تساهم في اتجاه الشباب نحو الإدمان".
وبالانتقال إلى الدوافع الخاصة للإدمان، يوضح أنها تختلف من شخص لآخر، مثل الرفقة السيئة، وطبيعة الإنسان النفسية التي تتقبل أن يكون إنسانًا مدمنًا، وهناك مشكلات أسرية تدفع الإنسان لتعاطي هذه الأشياء، وبعضهم أدمن بسبب مشكلات صحية وتناول أدوية لتخفيف الألم دون إيعاز الطبيب، فأدمن عليها تدريجيًّا.
المخدرات مشكلة قديمة متجددة يعانيها قطاع غزة، فما الجديد في مشروع مكافحة المخدرات ضمن لجنة تعزيز السلوك القيمي؟ يعلق: "لن نقول إننا بإطلاق هذه اللجنة سنقضي على المخدرات، فالمخدرات لها دوافع كثيرة منها الاحتلال والواقع الذي نعيشه، وهناك تجار هذه مهنتهم ولن يتوقفوا، لذا ليس من السهل القضاء عليها نهائيًّا، وهي حرب مستمرة، لكننا قدر الإمكان سنحاول أن نخفف منها، وتوعية المجتمع الفلسطيني من خطورتها وتحصينه".
منهجية العمل
ويتابع: "أولًا نحن نعمل على التوعية بخطورة هذه الأشياء، على مستوى المدراس والجامعات والوزارات والكادر الحكومي.. وغير ذلك، إضافة إلى الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية سواء مع المتعاطين أو المروجين أو المهربين أو تجار المخدرات، كما أن وزارة الصحة تعالج المدمنين في مستويات التخلص من السموم، والتأهيل العلمي والمجتمعي والتأهيل من الانتكاسة".
وينبه إلى أن هناك دورًا تكامليًّا بين الوزارات في هذه اللجنة، فمثلًا متعاطٍ أدمن نتيجة الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية؛ فهنا يأتي دور وزارتي التنمية الاجتماعية والعمل وغيرهما، وكل هذه الجهود تتكامل من خلال لجنة السلوك القيمي.
ويوضح أكثر بالحديث عن منهجية عمل اللجنة، بقوله: "تعتمد الخطة على مبدأ الشراكة بين الأطراف ذات العلاقة من خلال: التحقق من نسب وأعداد تجار ومروجي المخدرات عبر جهات الاختصاص، ورصد ومتابعة تجار ومروجي المخدرات عبر جهات الاختصاص، وتفعيل الخطط لمعالجة هذه المشكلة مع جهات الاختصاص".
ويشير إلى أن آلية التخلص من المخدرات، تختلف باختلاف نوع المادة المخدرة، وهو ما تقرره وزارتا الداخلية والصحة بتقييم طريقة التخلص من المخدرات، إما بحرقها وإما بالتخلص منها وفق إجراءات معينة أخرى، مؤكدًا أن المخدرات التي تحرق لا تؤثر على الجو أو الناس المحيطين خاصة أن هناك إجراءات ميدانية يتم اتخاذها في أثناء عملية إعدام هذه المخدرات.
ومن أهداف اللجنة –وفق ما يقول- الإسهام في الحد من انتشار المخدرات بين أفراد المجتمع، تكوين وعي صحي واجتماعي وثقافي بأضرار المخدرات، تحقيق التناغم والانسجام وتنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بمكافحة المخدرات.
وفي الأهداف أيضًا: تعزيز المشاركة التطوعية والمبادرات لأفراد المجتمع المدني ومؤسساته في مجال مكافحة المخدرات، وتوفير وتطوير البرامج العلاجية والتأهيلية لمرضى إدمان المخدرات، ودعم الدراسات والبحوث ذات العلاقة بمجال مكافحة المخدرات، والاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية في مجال مكافحة المخدرات.
معوقات المشروع
وبالانتقال إلى الحديث عن المعوقات التي تواجه مشروع مكافحة المخدرات، يقول: عدة تحديات أولها طبيعة التهريب، فهناك عدة أساليب يبتدعها المهربون، ثانيًا آليات الضبط على المعابر فهناك نقص، بسبب الحصار، لدى الجهات المختصة في بعض الأجهزة التي تضبط هذه الأشياء ضبطًا قانونيًّا، وكذلك آليات الاكتشاف عند هؤلاء المرضى من حيث نوع المخدر.
ومن المعوقات طبيعة الإجراءات المتبعة في وزارة الداخلية والإجراءات الروتينية في وزارة العدل في تجريم هؤلاء المجرمين، فهناك بعض الإشكاليات في ضبط الجريمة، لأن بعض المهربين أصبحوا ذوي خبرة في هذا الأمر، مع أن وزارة الداخلية أوجدت قانونًا لتجريم هذا الفعل تجريمًا أكبر، لكنه ما زال قاصرًا في الحد من هذه الجريمة حدًّا نهائيًّا.
وفيما يتعلق بعلاج المدمنين وإقبالهم على التخلص من الإدمان، وإمكانية عودتهم لانتكاسة أخرى، يوضح أن هناك إشكالية في حضور المدمن إلى مراكز الفطام، لعدد من الأسباب: أولًا خوفًا من الوصمة مع أننا نوفر لهذا الإنسان سرية تامة منذ دخوله وحتى خروجه من المصحة، وثانيًا لأسباب اجتماعية، والثالث لأنه يحجم عن العلاج لأننا قد نضطر خلال معالجته لوضعه في مركز الفطام لوقت طويل حتى تذهب عنه الأعراض الانسحابية للمخدرات، ورابعًا البيئة التي يعيش فيها المدمن فإن لم تتغير الظروف والمحيطون به فيسهل عودته إلى هذا الإدمان.