تزامنًا مع حملة الستة عشر يومًا الدولية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، أردتُ التحدث في أمرٍ قد لا يلتفت إليه كثيرون، وقد يرى آخرون عدم أهمية الطرح، ألا وهو "نكات النساء".
أقصد بذلك النكات التي يألفها المجتمع تهكمًا على النساء، زوجة أو أمًّا أو جارةً أو زميلة عمل، واللافت أن هذه النكات في الغالب ما تُظهر هذه الأنثى على أنها بلاء وقع على الرجل، أو شيطان يكيد له، أو عدو يحاربه، مع أن الواقع عكس ذلك تمامًا.
فلنبدأ بعِلة ذكورية المجتمع والعادات الجاهلية التي ما زالت فيه مع أن الإسلام نبذها، وهذه العادات -وإن كانت على شكلِ نكات وقصص ومزاح- هي في الواقع تعكس توجهًا داخليًّا لدى بعض الذكور بنبذ النساء، وامتهان مكانتهن، وهي إن كانت تخرج من بعض الذكور فإنها تلقى رواجًا عند غالبيتهم، على اختلاف أهدافهم من ترويجها ونشرها.
أما الأمر الثاني فهو "النكتة" وأثرها الكبير في تنميط المجتمعات، فإن انتشار النكتة يرتبط بتشكيل الصورة الذهنية المطلوب ترسيخها في مجتمع ما؛ ومع الترسيخ تصبح هي الأصل وأنها نمطية معروفة فلمَ الغضب منها؟!، وهذا ما أنا معتقدٌ أن بعضكم يسأله لنفسه الآن.
ثم إن واحدًا من أساليب الحرب الناعمة بين الدول هو "نشر النكات السلبية أو الناقدة" عن فئة مهمة أو مؤثرة في المجتمع، وربما من أشهر الأمثلة تاريخًا أن الاحتلال البريطاني لمصر عندما واجه مصريي الصعيد، وعلم أنهم الأشد دفاعًا عن أرضهم ورفضًا للخنوع؛ استهدفهم بالنكات، فكسر شوكتهم، وشكل صورة نمطية عنهم أنهم أغبياء وسطحيون، وقد نجح في ذلك.
الأمر الثالث هو لماذا تستهدف النساء تحديدًا؟، إن واحدة من أهم ركائز الإسلام هي إعادة المرأة إلى مكانتها الحقيقية، وإعفاؤها من كونها كائنًا تابعًا لذكر، لتكون مستقلة بذاتها ومالها وقراراتها، وهذا سبب صدمة لمن يروْن المرأة جزءًا من متاع، ولمن يريدون لهذه الأمة ألا تنهض، ولأن المرأة هي الحلقة الأقوى في تربية الأجيال وبناء المجتمعات، وهي التي إما أن تنشئ جيلًا يبني أمةً أو تهدم الأمة من جذورها، فقد استهدفوها بالنكات والمزاح، لتفقد دورها تدريجًا.
لذا إن كان من دعوة يجب علينا رجالًا ونساءً أن ننبذ هذه النكات، ولو من باب التسلية؛ فالصور الذهنية التي نرسخها بنكاتنا هي أشد وطأة علينا من محاولات التشويه المتعمد التي يحاول كارهونا أن يفرضوها علينا، فهل نعين أعداءنا على نسائنا؟!