ما انفك يعرض "إسرائيل كاتس" وزير المواصلات خطته القائمة على الانفصال عن قطاع غزة منذ أكثر من عام، وما برح نتنياهو يرفض مناقشة مجلس الوزراء لهذه الخطة التي توصي بإقامة جزيرة عائمة "ميناء" في عرض البحر، تحت إشراف إسرائيلي ودولي، ورفع الحصار، والسماح بتأهيل البنى التحتية لقطاع غزة.
لقد عاود الوزير "كاتس" طرح خطته اعتماداً على تقرير مراقب الدولة الأخير، الذي ربط بين الحرب على غزة واستمرار الحصار، لذلك طالب الوزير "كاتس" من رئيس الوزراء نتانياهو عرض خطته للنقاش على مجلس الوزراء، لأن الواقع في غزة يتطلب اتخاذ قرارات، ودون ذلك، فقطاع غزة يتجه نحو أزمة إنسانية أو جولة حرب أخرى، أو كلاهما معاً.
ورغم التأييد العلني من عدة وزراء لخطة الفصل عن غزة التي يقترحها الوزير كاتس، ورغم كل ما جاء في تقرير مراقب الدولة، إلا أن نتانياهو يرفض حتى اللحظة عرض الخطة على مجلس الوزراء، وذلك من منطلق الدراية بما يجري وراء الكواليس السياسية، والذي يتمثل بالتالي:
1ـ سيطرة فكرة الحل الإقليمي على السياسة الإسرائيلية العامة، حيث مثل مؤتمر قمة العقبة الأخير رأس الجبل الجليدي الذي يجهل خفاياه الوزراء الإسرائيليون أنفسهم، لقد أعطى مؤتمر العقبة عدة إشارات مهمة عن تنسيق المواقف السياسية بين إسرائيل وبعض الدول العربية، التي لا ترى في فك الحصار عن غزة مصلحة استراتيجية، وهذا ما عبرت عنه بجلاء قيادة السلطة الفلسطينية، التي حذرت من إقامة ميناء في غزة دون وجود سلطة واحدة في غزة، وقانون واحد، وسلاح واحد؛ هو سلاح السلطة الفلسطينية، وما دون ذلك تشجيع على نهج المقاومة.
2ـ تجربة الحرب الأخيرة على غزة، وتعثير مفاوضات وقف إطلاق النار أكثر من مرة، حيث رفضت السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل المشاركة في مؤتمر باريس لوقف إطلاق النار، وكان الإصرار على عقد مؤتمر وقف إطلاق النار في القاهرة، برئاسة عزام الأحمد وخلانه من أعضاء الوفد، والذين أحرجهم انتصار خط المقاومة، فاعترضوا علانية على فكرة الميناء والمطار، وفك الحصار عن غزة بعيداً عن وجود فعلي للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
3ـ من يدقق في تقرير مراقب الدولة يصل إلى نتيجة تؤكد أن إطالة أمد الحرب على غزة لمدة 51 يوماً لم يكن بإرادة إسرائيلية صرفة، وعليه فإن فك الحصار عن غزة، وإقامة ميناء عائم في البحر لا يخضعان لإرادة إسرائيلية صرفة، فهنالك شركاء استراتيجيون لإسرائيل في المنطقة لا يسمح نتانياهو بإغضابهم، ويتطلع إلى تحقيق فكرة الحل الإقليمي من خلالهم، ويرى فيهم الضامن الوحيد لحفظ الأمن الإسرائيلي، وهذا ما لا يدركه الكثير من الوزراء الإسرائيليين بما فيهم وزير المواصلات الذي عرض خطة انفصال منفصلة عن محيطها السياسي.
وللتذكير، فقد رفض نتانياهو قبل الحرب الأخيرة على غزة مقترح مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي طالب بمناقشة الوضع الاقتصادي والحياتي لسكان قطاع غزة.
فإذا أضيف إلى المشهد العام حالة الترقب داخل المجتمع الإسرائيلي لانتخابات إسرائيلية مبكرة قبل مارس 2018، فمعنى ذلك أن خطة وزير المواصلات "كاتس" مؤجلة حتى تنجلي الصورة الحزبية في إسرائيل، وحتى يكتمل ترتيب الإطار العام لمؤتمر إقليمي يسعى إليه نتانياهو، ويرى فيه ملاذاً في حالة الإفلات من لائحة الاتهام بالفساد.