لا يختلف اثنان على معاهدة السلام التي تربط الأردن بالكيان الصهيوني، بل ويدرك كل مواطن أردني تبعات هذه المعاهدة والتزاماتها، ولكن ما لا يدخل في نطاق استيعاب أي مواطن أردني وجود متسلل صهيوني في قبضة الأردن مقابل وجود قرابة 21 أسيراً أردنياً في سجون الكيان الصهيوني دون أن تفكر الأولى باستغلال هذا الحدث للمبادلة بهم.
إن المتمعن في السياسة الخارجية للكيان الصهيوني، يجدها سياسة لا تفرط بأبنائها حين يقعون في قبضة دولة أخرى، بالمقابل فقد أجبرت دول عربية الكيان الصهيوني على المبادلة حين يتعلق الأمر بالأمن القومي للبلد وتعرضه للخطر، كعملية التبادل بين الكيان الصهيوني ومصر عام 1968 حين تمت مبادلة مئات الأسرى المصريين مقابل أكبر شبكة تجسس، عرفت حينها بشبكة (جون دار لنج) وكان عددهم أحد عشر جاسوسًا.
وفي عام 1992 بادلت مصر شبكة (آل مصراتي) التي جُندت من قِبل المخابرات الصهيونية (الموساد) بهدف جمع معلومات عن أهداف عسكرية مصرية وشخصيات عامة مهمة آنذاك، مقابل مئات الأسرى المصريين في سجون الكيان رغم أن المحكمة المصرية حاكمتهم قانونياً في وقتها.
ولسنا ببعيدين تاريخياً عن صفقة الإفراج عن (عزام عزام) المواطن الدرزي الإسرائيلي والذي اتهمته مصر بالتجسس لصالح الكيان الصهيوني، ففي عام 1996 تم اعتقال عزام عزام وسجن لمدة ثماني سنوات في السجون المصرية قبل أن تتم مبادلته مقابل إطلاق سراح ستة طلاب مصريين كان قد تم اعتقالهم في سجون الكيان الصهيوني، رغم أن الرئيس مبارك آنذاك كان يرفض مبادلته بشكل قطعي لأن القضاء المصري قد قال كلمته بخصوص عزام عزام.
وأخيرا صفقة التبادل عام 2011 بين ذات الطرفين، والتي عرفت بصفقة (جرابيل) وهو المواطن الأمريكي الإسرائيلي الذي تم اعتقاله عقب ثورة 25 يناير في مصر والذي اتهم بالتخابر لصالح الكيان الصهيوني، وبعد خمسة أشهر على حبسة تم مبادلته مقابل 25 مصرياً في السجون الصهيونية.
لم تقف معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني والتي عرفت بكامب ديفيد عام 1978 عائقاً أمام عمليات التبادل، فأمن الدول القومي خط أحمر لا يمكن التلاعب فيه، وفي علم السياسة يعتبر من الغباء أن تقدم تنازلات للطرف الآخر دون مقابل، وهذا ما حرصت عليه مصر.
وحتى رفات الجثث الصهيونية لدى الدول العربية لم تترك سدى، وهذا ما حرصت عليه سوريا مؤخراً فقبل أشهر قليلة من العام الحالي تمت مبادلة رفات الجندي الصهيوني (زخاريا باومل) مقابل أسيرين سوريين وهما زيدان الطويل وخميس أحمد.
لا بدّ للمملكة الأردنية الهاشمية أن تضع نصب أعينها مقولة جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال "الإنسان أغلى ما نملك " كي تقف وقفة تاريخية أمام مواطنيها في سجون الاحتلال الصهيوني، الحسين الذي لم يمرر حادثة محاولة اغتيال خالد مشعل على الأراضي الأردنية دون مبادلة عناصر الموساد الصهيوني بالشيخ أحمد ياسين عام 1997 لتكون بذلك ثاني عملية تبادل شهدها التاريخ الأردني بعد عام 1948 والتي تم فيها مبادلة 17 أردنياً مقابل 673 جندياً صهيونياً. الأمر الذي يقودنا للتعمق بلجوء الأردن لعقد اتفافية تبادل المطلوبين مع بريطانيا والتي بموجبها تم تسليم المواطن الأردني أبو قتادة للأردن لمحاكمته على أرض بلاده، والتساؤل عن سبب لجوء الأردن لعقد هذا الاتفاق الثنائي مع بريطانيا وتجاهله مع الكيان الصهيوني؟
لا أعتقد أن لجوء الأردن لفكرة المبادلة بين المتسلل الصهيوني (كوتوف) والأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال ستؤثر على عملية السلام بينهما، فبالإمكان عقد اتفاقية تبادل على هامش هذه المعاهدة تكفل حرية محاكمة أي مواطن على أرض وطنه كما حصل مع بريطانيا في قضية أبو قتادة، ما يكفل استرداد أكثر من 21 أسيراً أردنيّاً لأراضي المملكة دون قيدٍ أو شرط، وهذا يحتاج فقط لإرادة وقرار هاشمي لا أكثر، لا سيّما في ظل إصرار المتسلل الصهيوني على نفي تهمة تعاطي المخدرات واعترافه بدخول غير شرعي للأراضي الأردنية، ما يدفعنا للتساؤل عن السبب الحقيقي وراء فعلته التي تؤشر إلى أنّ لها أسرارها وما بعدها.
إن لجوء الأردن للقانون في محاكمة المتسلل الصهيوني (كوتوف) لا يعني بالمطلق نفي حق التبادل، وهذا ما فعلته مصر في الحقائق التاريخية الآنف ذكرها، الأمر الذي يضع الأردن في زاوية حرجة، حال إرجاع (كوتوف) بعد انقضاء مدة محاكمته والتي لم تُقرر بعد، للكيان الصهيوني دون مقابل.