بثت قناة الجزيرة الفضائية حلقة حصرية من برنامج "ما خفي أعظم" الذي يقدمه الصحفي الفلسطيني تامر المسحال تكشف خفايا العملية الفاشلة لوحدة "سييرت متكال" الاستخبارية الإسرائيلية في قطاع غزة التي أفشلتها كتائب القسام وأطلقت عليها عملية "حد السيف" في11 نوفمبر 2018.
مع فشل هذا الهجوم بسبب خوض مقاتلي كتائب القسام اشتباكًا مسلحاً مع القوة الإسرائيلية المتسللة؛ أسفر عن مقتل قائدها وإصابة جندي آخر على الأقل، قبل أن تتمكن الطائرات الحربية الإسرائيلية من إخلاء القوة وإنقاذ باقي أعضائها باستخدام غطاء ناري كثيف وقصف جوي عنيف للمنطقة، فيما استشهد عدد من المقاومين خلال العملية، أبرزهم القائد الميداني في الكتائب نور بركة، وذلك يعود لجرأة الاحتلال ومحاولته استغلال حالة الهدوء القائمة بفعل التفاهمات الأخيرة، دعونا أولا نتعرف على هذه الوحدة وما هي أبرز المعلومات المتوفرة عنها.
"سييرت متكال" هي وحدة عسكرية منتخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي وخاضعة مباشرة لهيئة الأركان العامة وتصنف مع دائرة المخابرات هدفها الأساسي والمركزي القيام بتجميع معلومات استخبارية من عمق مواقع البلاد العربية، وفي الوقت ذاته القيام بتدريب أفرادها على كافة أنواع القتال البري، وخاصة ما يسميه الاحتلال “محاربة الإرهاب”.
تأسست هذه الوحدة في العام 1957 ودَمجت هذه الوحدة في صفوفها محاربين سابقين في سلاح المخابرات ومُسرّحي الوحدة 101 (الوحدة التي قادها أرئيل شارون ونفذت مجازر مثل مجزرة قبيا عام ١٩٥٤)، ووحدة المظليين.
لم تصادق الحكومة الإسرائيلية أو قيادة الجيش رسميًا ونهائيا على هذه الوحدة إلا في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وخاصة في أعقاب انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
أما خطط وفعاليات الوحدة فبقيت طي الكتمان حتى اليوم، إلا ما أُجيز نشره ورفعت قيادة هذه الوحدة شعار “الجريء هو الذي ينتصر”، وتتمحور نشاطات الوحدة خلال فترات الهدوء في جمع معلومات استخبارية أو القيام بعمليات عسكرية محددة هدفها “مكافحة الإرهاب”، على حد ادعاء الاحتلال.
نفذت الوحدة بعمليات حربية في عمق المواقع القتالية، كما حصل ويحصل في الأراضي الفلسطينية أو في لبنان (خلال حرب تموز 2006 – عملية بعلبك، حيث تم اختطاف عدد من المواطنين اللبنانيين وحين تبين أنهم ليسوا الهدف المنشود تم تحريرهم وأعلنت قيادة الجيش والحكومة الإسرائيلية عن فشل العملية).
من بين الشخصيات العسكرية البارزة الذين قادوا هذه الوحدة وتخرجوا منها: ايهود براك (قائد الوحدة ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش سابقا)، بنيامين نتنياهو (قائد فصيل سابق في الوحدة)، شاؤول موفاز (نائب قائد الوحدة ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش سابقا)، متان فلنائي (نائب قائد الوحدة سابقا)، موشي (بوغي) يعلون (رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي سابقا) ومن خريجي هذه الوحدة، أيضا، أفي ديختر رئيس جهاز “الشاباك” سابقا، وداني يتوم رئيس “الموساد” سابقا.
ومن أبرز العمليات العسكرية التي قامت بها هذه الوحدة والتي أعلن عنها رسميا فيما بعد عملية “ربيع الشباب” (هكذا سمتها قيادة هذه الوحدة) في لبنان في نيسان 1973 والتي قادها ايهود براك وتم خلالها اغتيال قياديين بارزين في منظمة التحرير الفلسطينية وهم الشهداء يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان.
السؤال الذي يراود المتابعين: هل سترتدع دولة الاحتلال عن تنفيذ أعمال مشابهة في المستقبل؟ وهل نتنياهو صادق على العملية أم لا؟
تاريخ العدو مع العمليات خلف خطوط "الأعداء" طويل، وإصراره على تنفيذها شديد؛ حيث إن كل القوات الخاصة المميزة في جيشه أمثال (سييرت متكال) و(شييتت 13) و(الرفرف) و(ماجلان) و(دوڤدوڤان) و(شمشوم) و(رمون) وقائمة طويلة منها من دُمج في وحدات أخرى، ومنها ما زال قائمًا فاعلًا حتى اللحظة، وكل هذه الوحدات رُصدت لها ميزانيات هائلة، وخُصصت مهماتها في مجالات التصفية والخطف والتخريب والتصنت والاختراق وكل وسائل جمع المعلومات.
هذه النماذج بارزة لكنها جزء بسيط من إخفاقات أجهزة مخابرات الاحتلال ووحداته الخاصة، والعمليات التي نُفذت في الداخل المحتل من قبل هذه القوات الإجرامية ودلت آثارها ونتائجها على أن المستفيد الوحيد منها دولة الاحتلال تعد بالمئات، والعمليات التي لم تترك أثرًا، ولم نسمع بها، أو تستر عليها من نُفذت فهي كثيرة جدًا من خلال ما يُكشف لاحقًا في سير رجال المخابرات وضباط الوحدات الخاصة.
إن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها دولة الاحتلال على مدار تاريخها في الأرواح والخبرات وعلى مستوى سياسي واقتصادي لم تردعها ولم تثنها عن الاستمرار ومواصلة هذا الطريق، ولن تردعها عن الاستمرار في المستقبل. وإن هذه العمليات لا يمكن أن تُنفذ إلا بموافقة رئيس الجهاز الذي تتبع له الوحدة المنفِّذة ووزير "الدفاع" ورئيس الوزراء.
الأمر الذي يثير التساؤل كيف لنتنياهو قبل الانتخابات وفي ظل تطبيق استراتيجية جديدة بلورها الجيش وآمن في تنفيذها بموافقة رؤساء الأجهزة الأمنية تتحدث عن تخفيف الحصار عن غزة وتحسين الاقتصاد ورفع مستوى الخدمات والبنية التحتية في إطار خطة لمنع اندلاع حرب رابعة؟ إن مثل هذه العمليات التي نُفذت وأُفشلت في خان يونس تستغرق عملًا متواصلًا يتجاوز أشهرًا وأحيانًا سنوات في الإعداد والتجهيز والتحضير والتجنيد والاستئجار والتهريب والتركيب وتحديد الأماكن وبناء المسرح ودراسة البيئة واختيار التوقيت والمكان. كل هذا جهد متراكم ومتواصل مبني بعضه على بعض، فلا يمكن أن يتم تعطيل جهد استراتيجي تترتب عليه نتائج استراتيجية بالغة الأهمية مقابل هدف تكتيكي غير مضمون النجاح قد يفضي إلى تحقيق هدف استراتيجي.
كما أن تعقيدات الانسحاب والتراجع وخطورة كشفها لا تقل عن مخاطر افتضاحها في حال استمرارها، لذا عندما صادق نتنياهو على استمرار هذه العملية المركبة والخطيرة والتي لم نقف حتى الآن على كامل حجمها وأطراف ذيولها لم يخاطر إلا في واحد بالمئة، وكان يراهن على ال99% في استمرار نجاحها، لأن هذه العملية بالتأكيد لم تبدأ من لحظة إفشالها، على الأقل في أجزاء مهمة تتعلق بحركة أشخاص ومعدات وبيئة مناسبة وأدوات مساندة عززت الطمأنينة لدى نتنياهو للمخاطرة باستمرارها بالرغم من تعهداته للمقاومة نُقلت عن طريق عدة دول، الأمر الذي يشرعن ردة فعل المقاومة ويزعزع الثقة بتعهدات العدو أمام الدول الوسيطة.
لكن إرادة الله كانت نافذة، ونباهة ويقظة المقاومة وانتشارها وإجراءاتها الأمنية في الداخل وعلى الحدود حاضرة، وقد أفشلت هذه النوايا الإجرامية التي سترافق اليهود الصهاينة ما داموا كيانًا يحكم ويرسم ويخطط وينفذ، فإن صفاتهم الموصوفين بها في القرآن أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وعنادهم وتعنتهم وكثرة أسئلتهم واستفسارهم، وجبنهم وحبهم للحياة وحرصهم عليها، قساوة قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، مغرورون ومتكبرون، قتلهم الأنبياء، نقضهم العهود والمواثيق، تفرقهم واختلافهم، تجعلهم يكررونها لكن بشكل آخر وأدوات مختلفة تؤدي إلى نفس النتائج.
صحيح أن هذه القوة الخاصة خاضت العشرات من العمليات الأمنية، داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، لكن سوء حظها العاثر جعلها تقع في إخفاقات وثغرات في قلب غزة مما تسبب في إفشال العملية، لكن لا ننسى أن لوقع عملية التسلل الفاشلة الأخيرة التي نفذتها القوة الإسرائيلية الخاصة داخل قطاع غزة وتحديداً شرقي مدينة خان يونس كان له صدمة واسعة في صفوف الكثيرين من النخب الامنية والعسكرية لدى الاحتلال، بل وتسبب هذا الإخفاق الكشف عن سلسلة من مشاكل هيكلية في تركيبة وحدة العمليات الخاصة، التي أثرت بدورها على مدى سيطرتها على الحدث، وبروز خلافات وتباينات داخلها بسبب عدم التوافق حول معايير التنفيذ، والبلبلة التي أعقبتها، صحيح أن التحقيقات لم تشر لمسؤولية ضابط بعينه عن الفشل المذكور، لكن أحد قادة الوحدة قرر الاستقالة.