في الأسبوع الماضي تحدّثنا عن أنواع الموظفين داخل المؤسسات: الخامل (الواقعي) والمثالي (غير الواقعي) والمجتهد (المطحون)، وقلنا إنه يجب إعلاء قدر المجتهد لا بالإثقال عليه، بل بتقدير إنتاجه، ومنحه المكافآت المادية والمعنوية.
أما وصف هذا النوع بالموظف المطحون، فله علاقة بالنوعين الآخرين، فهو مطحون بالأساس من كليهما.
فالموظف المثالي يرى فيما ينجزه (المطحون) شيئًا جيدًا يُبنى عليه، ولكنه ليس المطلوب، بل عليه أن يجتهد أكثر وأكثر، مع أن هذا الموظف قد يكون الوحيدَ الذي ينجز ما عليه من تكاليف في أزمانها المحددة وبجودتها المطلوبة، كما أن (المثالي) لا يتوانى في طلب مهام إضافية فوق طاقة (المجتهد)، كونه الحصان الرابح و"جبل المحامل"، والمطيع الوحيد في قافلة الموظفين الطويلة داخل المؤسسة.
أما الموظفون الخاملون فيرون في (المطحون) نشازًا عن مقطوعة الروتين والرتابة التي رضيت بها الأغلبية، ويحاولون بشتى السبل إقناعه أن يكون مثلهم، لأنهم مقتنعون بأنهم "اشتروا دماغهم" في تصرفاتهم، وربما هذا سبب، لكن السبب الثاني هو أنهم لا يريدون أن يفضح تقصيرهم أحدٌ يعيش ظروفهم نفسها ويمر بالصعوبات ذاتها التي جعلوها مدعاةً لخمولهم وتقصيرهم.
والأدهى من كل هذا أن بعض (الخاملين) يحاولون الطعن في هذا (المطحون)، والحديث عن مستوى عمله، وعن أهدافه "غير المهنية".. إلخ، ويذكرني ذلك بقصة بالمرأة التي قتلت جنديًا دون شرفها، فقتلتها نساء القرية حتى لا يقال إن هناك من لم تفعل فعلتهن!
فبين واقعي خامل وغير واقعي مثالي، يُطحن هذا الموظف المجتهد، فهناك من يريد سحبه لأسفل وإطفاء محركات الولاء والعمل لديه، وهناك من يريد سحبه لأعلى بأن يطلب جهدًا أكثر مما هو ممكن في قدراته وطاقته.
وإذا ما واصل (المثالي) إثقاله على هذا الموظف المجتهد، وزاد عليه التكاليف لأنه "جبل المحامل"، دون النظر إلى القدرة الوظيفية والتوزيع العادل بين الموظفين، من جهة، وواصل (الخامل) إحباط هذا الموظف المجتهد والتسخيف من جهده وعدّه أبلهَ لأنه حريص على العمل، من جهة ثانية، فإن هذا الموظف تدريجيًا سيُطحن تمامًا ويقرر الانسحاب والخمول، وتكون المؤسسة كلها قد خسرت عنصرًا فاعلًا يمثلها في الداخل والخارج، ليصطف في طوابير البطالة المقنعة داخل المؤسسات (الخاملين).