أصيبت شركات السلاح الإلكترونية الإسرائيلية بسُعارٍ شديدٍ وهوسٍ كبيرٍ، ودخلت بقوةٍ في سباقٍ محمومٍ وتنافسٍ مجنونٍ مع قوى المقاومة العربية والإسلامية في المنطقة، التي استطاعت أن تدخل بجدارةٍ إلى سوق المُسيّرات وعصر الحوامات بسرعةٍ كبيرةٍ وكفاءةٍ عاليةٍ، وتمكنت في سنواتٍ قليلة من تحويل الألعاب النارية إلى سلاح، ووسائل الترفيه إلى متفجرات، وتقنيات التصوير الطائرة إلى أدوات تجسسٍ دقيقةٍ، وآليات رصدٍ ومتابعةٍ لا تخطئ، بعد أن كانت تعتقد أنها وحدها المتفوقة في هذا السلاح، ووحدها المتفردة في امتلاكه والقادرة على استخدامه، ولكنها استيقظت فجأةً لتجد أن خصومها يملكون ما تملك، ويطورون ما يملكون وما يصنعون، ويتفوقون على ما عندها من القديم والجديد، وقد نجحوا في تجربتها براً وبحراً، واطمأنوا إلى دقة إصابتها، وقدرتها على تدمير الأهداف المقصودة تدميراً كلياً، وتصويرها قبل القصف وبعده.
يدرك الإسرائيليون أهمية هذا السلاح ومدى خطورته، ويعرفون أنه قادرٌ على تحقيق الكثير من الأهداف، والوصول إلى العديد من الغايات المرسومة، بعد أن أصبح حديثاً ومطوراً، وصغيراً وموجهاً، إذ يتم التحكم فيه من غرفٍ مغلقةٍ ومكاتبَ سريةٍ، حيث يمكن مراقبة مساره ومتابعة حركته، ويتم توجيهه للتصوير والبث، والمتابعة والرصد، وهو لا يحتاج إلى قواعد ومنصاتٍ لإطلاقه، إذ يمكن إطلاقه من عربةٍ عسكريةٍ أو من فوق مبنىً عالٍ أو تلةٍ مرتفعةٍ، وتكفي دقيقة واحدة لانطلاقه وتحليقه، كما يكفي شخصٌ واحدٌ لإدارته ومتابعته، وهو لا يترك وراءه أثراً يحدد مكان انطلاقه ومنصة تحريكه، فضلاً عن أنه غير مكلفٍ ولا تلزمه تضحية، ولا يخاطر باستخدامه مطلقوه ولا يُعرفُ مستخدموه.
تملك قوى المقاومة من هذا السلاح نماذج تستطيع التحليق على ارتفاع 4000 قدمٍ لساعاتٍ والعودة إلى قواعدها، كما يمكنها قصف الأهداف المرصودة وتدميرها، علماً أنه أصبح منها أنواع صغيرة جداً "ميني"، تستطيع حمل كيلو جرام من المتفجرات شديدة الانفجار، ومنها الكبير الذي يحمل عبوةً تصل لغاية عشرة كيلو جرامات، فضلاً عن قدرتها على التحليق المنخفض جداً، ما يجنبها رصد أجهزة الرادار، ولهذا بدأت تعميمات قيادة أركان جيش الكيان إلى جنوده بضرورة دوام رفع الرؤوس عالياً والنظر إلى السماء، ومراقبة كل غريبٍ ورصد كل صوتٍ، وسرعة الإبلاغ عنه أو التعامل معه.
بهذا السلاح الجديد لم يعد المقاومون بحاجةٍ إلى استشهاديين لتنفيذ عملياتٍ عسكريةٍ في العمق وخلف خطوط النار، فالمُسيّرات تفي بالغرض وتقوم بالمهمة، وتنفذ أقوى العمليات "الانتحارية"، وتستطيع أن توقع في صفوف الإسرائيليين خسائر مادية وبشرية ومعنوية كبيرة للغاية، فهي ليست بحاجة إلى تصاريح مرور، ولا إلى موافقاتٍ أمنية للعبور، ولا تقف على الحواجز أو تمنع من اجتياز الحدود، إنها سلاح المستقبل ووسيلة القتال الجديدة، وقد أدركت قوى المقاومة ثورتها الكبيرة والتحقت مبكراً بها، وفهمت كنهها وبرعت فيها، وفكت طلاسمها وأعادت تركيبها، وعرفت قدراتها فطورتها وزادت عليها.
تعتقد المخابرات العسكرية الإسرائيلية أن الصين التي تمتلك أكثر من 70% من تقنية الحوامات، وتصنع وتبيع محركاتها إلى أغلب دول العالم بصورة تجارية، هي التي مكنت قوى المقاومة الفلسطينية والعربية من امتلاك هذه التقنية، وهي التي زودتها عمداً أو سهواً، وبقصدٍ وبغير قصدٍ بتقنيات هذه الوسائل الجوية الجديدة، ما استدعى وزارة الخارجية الإسرائيلية ومعها خبراء في الجيش والمخابرات العسكرية، إلى مراجعة نظرائهم في الصين، لتنبيههم إلى خطورة ما تقوم به شركاتهم التجارية، وحساسية ما تقدمه من تقنياتٍ ومعلوماتٍ إلى جهاتٍ معاديةٍ لها، وطالبتها بمراقبة سوق الحوامات، وتقييد حركة انتقال آليات وتقنيات المسيرات، فقد غدا هذا السلاح يهدد أمن كيانهم، ويعرض كل منشآتهم دون استثناءٍ للخطر الشديد.
يكاد الإسرائيليون يصابون بالهستيريا والجنون، فخصومهم لا يدعون شيئاً في متناول الأيدي إلا ويحولونه إلى سلاحٍ فتاكٍ وآلة قتلٍ مميتةٍ، فقد صنعوا من حجارة الأرض انتفاضةً، ومن المُدى والسكاكين والأدوات الحادةِ ثورة، ومن السيارات والشاحنات وسائل قتلٍ وأدوات سحلٍ، وصنعوا من العدم صواريخ بعيدة المدى دقيقة الإصابة، ومن القمامة والمخلفات قذائف مريعة ومتفجراتٍ خطيرة.
ولم ينجح الحصار في تجفيف منابعهم، ولا الغارات الاستباقية في إحباط مشاريعهم وإفشال مخططاتهم، بل إنهم يتطلعون إلى مواجهةٍ شاملةٍ وحربٍ واسعةٍ، يخططون فيها لأن تكون الحرب بعيدةً عنهم وخارج مناطقهم، ليحرروا أرضهم ويستعيدوا حقوقهم، وهو ما يخشاه الجيش ويتحسب منه، إذ يراقب قوى المقاومة على كل الجبهات، ويرصد لديها التطور الحادث، والاستعداد الدائم، والحماسة الشديدة، والقدرة الكبيرة، والكفاءة العالية، استعداداً ليوم الفصل والحرب الأخيرة، التي ستشارك فيه حوامات المقاومة ومسيّراتها، وهو ما سيكون قريباً بإذن الله، فقد حان وقت أم المعارك وآخر الحروب، وأزف زمان الانتصار، وأظلنا زمن العودة والتحرير، الذي ستشرق فيه شمس حريتنا، وترتفع رايتنا، وتعلو بالحق أصواتنا، وتكتحل عيوننا بسماء الأرض، وترتاح أجساد شهدائنا في تربة الوطن.