ليس غريبا أو خارجا عن المألوف والمنطق أن يفكر المهتمون بالسياسة بما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ليس غريبا أن تهتم (إسرائيل) بمن بعد عباس، فـ(إسرائيل) منشغلة في هذه الأيام بمن سيخلف عباس، كما يقول (أوري سافير) الدبلوماسي الإسرائيلي. وليس غريبا ولا عجيبا أن تهتم فتح نفسها بمن بعد عباس، وأن تتجهز منظمة التحرير للمسألة، كما يقول (يوني بن مانحيم) الخبير الصهيوني بالشأن الفلسطيني.
ولكن يبدو أنه من الصعوبة بمكان على دولة العدو أن تحدد خيارها فيمن يجب أن يخلف عباس، هذا من ناحية، ويبدو أن المصاعب أكبر أمام حركة فتح في تحديد من يخلف عباس من ناحية ثانية. نعم الحديث عن خليفة عباس في حال غيابه فجأة هو من الأمور الصعبة والمعقدة والقائمة على التحزير بسبب غياب المؤسسة الحقيقية، وغياب روح العمل المؤسسي، وقيام النظام الفلسطيني على سلطة الفرد والبطل؟!
في الإطار الفتحاوي، ترى فتح أنها وحدها الوريث الشرعي للمنظمة وللسلطة، وأنها صاحبة الحق منفردة بتحديد من يخلف عباس، ولكن للأسف فإن فتح لا تجتمع أجنحتها على مرشح بعينه للخلافة، فمرة يعلو نجم مروان البرغوثي، ومرة يعلو نجم صائب عريقات، وثالثة يعلو نجم أحمد قريع، ومرة يتحدثون عن الصراع بين ماجد فرج، والرجوب، والطيراوي، وهكذا دواليك (دوخيني يا لمونة)؟!
هذا الغموض والتعقيد هو بسبب غياب المؤسسية، يقول (يوني بن مناحيم) في مقال له على موقع المعهد الأورشليمي لشؤون الدولة: "إن حركة فتح تتجهز لغياب عباس، مشيرا إلى حملات داخل الحركة لحيازة السلاح لفرض المرشح الذي تراه؟!". ويقول: إن الوقت يقترب شيئا فشيئا من خروج عباس من المشهد السياسي الفلسطيني، فقد فاجأ خصومه السياسيين في السلطة الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، بالإعلان الشهر الماضي عن تشكيل محكمة جديدة، التي غرضها التحضير لتعيين نائب له، بناء على طلبات متعددة من أعضاء في اللجنة المركزية لفتح؟!".
هل حقا ثمة تنافس على حيازة السلاح في الصفة بين أجنحة فتح لغرض فرض مرشح ما بعد عباس بالقوة؟! ومن الأجنحة التي تشتري السلاح؟! وهل حلّ السلاح بديلا جيدا عن السياسة والمؤسسة؟! هل هذه هي فتح؟! أم أنه كلام رجل صهيوني فحسب؟!
لماذا تهتم دولة العدو بمن بعد عباس؟ وهل حقا تتخوف من القادم؟ لأن غياب عباس يعني غياب الشريك، وغياب فرصة الحلّ والتسوية، كما يقول (أوري سافير؟!)، إن كان الأمر كما يقول فلماذا لا تنتهز (إسرائيل) الفرصة وتوقع اتفاق تسوية مع محمود عباس؟! دولة العدو في نظري لا تريد حلّا، ولكنها تدير أزمة، وهي لا تتخوف ممن بعد عباس، لأنها ترى نفسها شريكا في تحديد من هو بعد عباس. وهي لا تترك هده الورقة. وهناك من يقدم نفسه للمنصب من خلال هذه الورقة.
لقد علمتنا التجارب والأحداث أن (إسرائيل) حاضرة في الملفات الفلسطينية، والعربية للأسف، وأنها صاحبة قرار وتأثير، وكما تخطب أنظمة عربية ودها، فثمة قيادات فلسطينية تسير على الدرب بقناعة أو بحكم الواقع. ولا أظن أن حماس شريك في هذه المسألة البتة، فحماس تنظر إلى من بعد عباس، كما ينظر إليه المواطن العادي، لأن حماس في الأرجح لا تفضل مرشحا على مرشح، وهي دائما تنظر في البرنامج لا في الأشخاص، فهي مع كل من يحمل برنامجا وطنيا محددا، ويحمل رؤية تصالحية، ويقبل بالشراكة مع المكونات الوطنية والإسلامية.