لا يحجب العداء القائم بين الشعوب العربية والإسرائيليين حقيقة احترام الإسرائيليين لأنفسهم، وعدم تقديسهم القائدَ، فجميع القادة في (إسرائيل) من صناعة المجتمع، وجميعهم تحت طائلة القانون، وهذا ما تفتقر له الشعوب العربية التي لا تجرؤ على انتقاد الرئيس وابن الرئيس وزوجة الرئيس، ما دام قابضاً على عصا السلطان، ليبدأ النهش والتقطيع بجثته بعد انتزاعه عن الكرسي، وكسر عصاه الاستبدادية.
أعداؤنا الإسرائيليون يحاكون قادتهم وهم في قمة مجدهم، وفي عز سلطانهم، وهذا هو الفرق بين الحياة والموت، وبين الحضور والغياب، وبين التطور والتخلف، وبين القوة والضعف، وبين الديمقراطية والدكتاتورية، وبين الولاء والجفاء، فقد حاكم الإسرائيليون رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بعد أن أقالوه من منصبه، وحاكم أعداؤنا رئيس الدولة موشي كتساف، وأدخلوه السجن، وحاكم أعداؤنا الوزراء وهم في قمة نفوذهم، ومنهم الوزير أريه درعي، واليوم يوجهون التهمة لملك (إسرائيل)، رئيس الوزراء نتنياهو، ويسلمونه للقانون.
قد يقول البعض: نحن الشعوب العربية نتمتع بحكام أتقياء أنقياء، لا غبار يلطخ ثيابهم الطاهرة، في حين الفساد مستشرٍ في المجتمع الإسرائيلي، إنهم أمة فاسدة بطبعها، والخيانة في دمهم، ولكن الصحيح أن هؤلاء الفاسدين والمفسدين في الأرض يرفضون الفساد فيما بينهم، ويرفضون تقديس فاسد منهم مهما كان، في الوقت الذي يحظر على العربي أن يرفع صوته في وجه الحاكم الفاسد، ولا يجرؤ عربي على المساس بكريمة أو حفيدة أو صديقة أو ابن الحاكم الذي جعل لنفسه وذريته قداسة تفوق قداسة عجل بني إسرائيل.
لقد شهدت البلاد العربية في السنوات الأخيرة ثورات غضب ضد الفساد، ولكننا لم نشهد مظاهرة صغيرة ضد الفساد في (إسرائيل)، والسبب يرجع إلى القانون الذي يحاكم رئيس الوزراء وهو في قمة مجده، ويتجاهل إنجازاته الاقتصادية والأمنية والسياسية والدولية، ورغم عظمة الإنجاز من وجهة نظرهم، فإن ذلك لا يعطيه حصانة، ولا يجعل له مكانة فوق القانون، ليكون التقدير على الإنجاز بمقدار الزج به إلى المحاكمة على الأخطاء.
اكتشاف رؤساء الوزراء الفاسدين في (إسرائيل) لا ينقص من قدر المجتمع الذي يحارب الفساد، في حين تستر القانون على الفاسدين في بلاد العرب جعل منهم مطية لكل معتدٍ، وجعل الشعوب العربية غير فخورة، وغير منتمية لوطن يقوده أصحاب العاهات السياسية المستديمة، وصار التخلف عنواناً للحياة السياسية.
نتنياهو يصارع أمام القضاء تارة، ويصارع أمام أحزاب المعارضة تارة أخرى، ويصارع دفاعاً عن مكانته أمام حزبه الذي سيتخلى عنه، وسيتخلى عنه حلفاؤه في أحزاب اليمين، ولم يبقَ لرئيس الوزراء إلا ما قدمت يداه، ودون ذلك فلا العائلة ولا القبيلة ولا التنظيم ولا المكانة الوظيفية تشفع لمتهم في (إسرائيل)، إنهم ينظفون أنفسهم بأيديهم، ونحن العرب نلوث حياتنا السياسية والاقتصادية والإدارية بأيدينا وأيدي الطامعين بمواردنا وخيراتنا المنهوبة.
ملحوظة: لا صحة لما يدعيه البعض أن نتنياهو سيهرب من تهم الفساد إلى حرب ضد غزة أو لبنان أو إيران، فقرار الحرب في (إسرائيل) ليس في يد رئيس الوزراء وحده، هنالك مؤسسة أمنية وعسكرية تلجم نتنياهو، وهم أصحاب القرار.