في العمل المؤسسي هناك ثلاثة أنواع من الموظفين: الموظف الخامل (الواقعي)، والموظف المثالي (غير الواقعي)، وبينهما الموظف المجتهد (المطحون).
الموظف الخامل أو الواقعي هو ذاك الذي استكان لظروف العمل الروتينية، وأصبح العمل لديه مرتبطًا بساعات الدوام، وهو فَقَدَ تدريجيًّا -أو هو من الأصل لا يحمله- ولاءه لهذه المؤسسة، ولا يرغب بتمثيلها أمام المجتمع الخارجي.
هذا النوع من الموظفين صنعته عددٌ من الظروف، أولُها حالة الركود الاقتصادي في البلد، فلا أجرَ مجزيًا مقابل العمل، بل لا أجرَ في موعده أصلًا، وثانيها البطالة المقنعة التي تعانيها المؤسسات الحكومية والخاصة، لكن ثالثها -وهي الأصل- أن لديه استعدادًا ذهنيًّا ونفسيًّا ليكونَ موظفًا خاملًا ينفذ ما يُطلب منه بالحد الأدنى، دون نقاش أو جودة، وهذا الاستعداد وجد ضالتَه في السببين الأولين وأسباب أخرى، ليطبق المثل القائل: "حط راسك بين هالروس وقول يا قطّاع الروس"، والمقولة الشهيرة: "لا تكنْ ملكيًّا أكثر من الملك"، وهؤلاء يصفون أنفسهم بأنهم "واقعيون"، وربما معهم حق في بعض ما يفعلون، لكنهم يعون جيدًا أنهم مخطئون في كثيرٍ من أفعالهم وقناعاتهم، وأنهم يخونون أمانة العمل وقسم المهنة.
النوع الثاني الموظف المثالي (غير الواقعي)، وهؤلاء أكثرهم يكونون في الفئة العليا من الوظائف، يتحدثون عن المثاليات والصورة المفترضة للعمل داخل المؤسسة، دون النظر إلى الواقع وإمكانات التطبيق، وهم يروْن أنفسهم حاملي لواء المؤسسة ورسالتها وأهدافها، ويسعون دائمًا إلى رسم صورة زاهية الألوان عن العمل وقدرة العاملين، بعيدًا عن المعيقات والتحديات.
وهؤلاء يغضون النظر عن الموظف ومشكلاته وظروف عمله التي تنعكس بالأساس على الإنتاج، لأنهم يرون هذا الموظف آلة تبدأ العمل دون توقف، ولا تعيقها أي ظروف أخرى، والموظف -وفق نظرهم- هو ساعات عمل وكميات إنتاج شهرية لا غير ذلك.
النوع الثالث الموظف المجتهد، وهو موظف لم يستكن للظروف التي صنعت الموظف الخامل (الواقعي)، ولم يجد تلك الظروف سببًا للتخلي عن مسئولياته، بل جد واجتهد، وتحدى الوضع القائم، وأنجز ما يُطلب منه وظيفيًّا وأكثر.
دون شك هذا الموظف هو الكنز الحقيقي في كل عمل، وبه ترتفع المؤسسة أو تنخفض، لكنه في المقابل، تحت هذا الضغط من الطرفين الآخرين، معرضٌ في كل لحظة أن يصبح عنصرًا خاملًا كسولًا أو قل "واقعيًّا".
لذا من الضروري -وهذا دور الفئة العليا (الموظف المثالي)- أن يُعلى من قدرِ هذا الموظف، وترفع مكانته بين زملائه (الخاملين)، ولا يكون ذلك بزيادة التكاليف، بل بتقدير العمل، وإعطاء الصلاحيات، ومنح المكافآت المادية والمعنوية، ليكون قدوةً لزملائه ومحفزًا لهم على أن يخرجوا من حالة الخمول إلى حالة الاجتهاد، وللحديث بقية في الأسبوع المقبل.