المواطن هو أول المتضررين من الانقسام، لأنه فعلا يحس بالألم الشديد نتيجة ما يجري خاصة وهو يرى أن كل مساعي التقارب وتحقيق المصالحة الداخلية واستعادة الوحدة الوطنية، لا تؤدي الى أي تقدم وإنما العكس تماما، ويزداد فقدانه للثقة في كل من لهم علاقة بهذا التردي السياسي، خاصة ونحن نمر في مرحلة من اخطر مراحل تاريخنا الوطني حيث يتسع الاستيطان والتهويد ونهب الأرض وتهجير المواطنين ولم يعد قادة الاحتلال يخفون نواياهم في ضم الأرض والاستيلاء على المقدسات والقضاء على كل احتمالات تحقيق السلام وإقامة الدولة الموعودة.
قبل عدة أشهر كان من المقرر إجراء انتخابات الهيئات المحلية بالضفة والقطاع معا، ثم وقعت الخلافات بأشكال متعددة وتبادل للاتهامات بين حركتي فتح وحماس، ما أدى بالأخيرة الى تأجيل هذه الانتخابات عبر القضاء بالضفة الغربية. وطيلة هذه الفترة حاولت لجنة الانتخابات المركزية تقريب وجهات النظر بهدف التوصل الى اتفاق، إلا ان جهودها وجهود قوى أخرى ذهبت سدى. وقبل ايام قررت حكومة رامي الحمد الله من جديد استئناف إجراء الانتخابات في الضفة الغربية فقط في الثالث عشر من شهر أيار القادم واستثناء قطاع غزة منها، مما أثار ردود فعل فلسطينية واسعة سواء من القوى والفصائل او المنظمات الأهلية. وقد غلب على هذه الردود الموقف الرافض لذلك, لأن فيه تكريسا للانقسام وخلق قطيعة زائدة بين الضفة وغزة, بالإضافة للانقسام السياسي الى ما شاء الله.
إن الاحتكام لرأي المواطنين في أية انتخابات هو عملية ضرورية وإيجابية ولا نجد مبررا لأي طرف لعدم المشاركة فيها او رفض اجرائها. ونحن بحاجة ماسة ليس لإجراء انتخابات للهيئات المحلية فقط، ولكن لكل المؤسسات الأخرى من رئاسية وتشريعية ومجلس وطني ومنظمة التحرير، كما أننا بحاجة أيضا لأن تجري التنظيمات والفصائل المختلفة انتخابات داخلية لتطوير قدراتها وتجديد دماء قياداتها وزيادة فعاليتها الشعبية والوطنية، ولكننا نادرا ما نرى أشياء حقيقية كهذه وتلخصت القضية كلها في الانتخابات المحلية وهي الاقل اهمية سياسية.
ما من مواطن يعارض إجراء الانتخابات أيا كان نوعها ومستواها, فهي استحقاق شرعي ووطني قبل ان يكون استحقاقا سياسيا، لكن ما يعترض عليه المواطن اجراء انتخابات بالضفة بدون غزة، لأنها خطوة ليست واقعية ولا إيجابية وهي مخالفة للطريقة الديمقراطية التي هي حق مكفول للجميع دون استثناء, وايضا وفيها تكريس للانقسام. ومن الضروري إعادة النظر في هذا القرار والبحث عن بدائل وإعادة طرق أبواب المصالحة والوحدة الوطنية، بدل إغلاقها بصورة شبه نهائية.