في الحادي عشر من نوفمبر 2018م، سجلت منطقة عبسان الكبيرة، شرقي محافظة خانيونس، بين حاراتها وشوارعها، حدثاً أمنياً ليس له مثيل في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حينما أرغمت المقاومة الفلسطينية أنف (إسرائيل) وقواتها الخاصة في تراب غزة.
تلك الحادثة التي لا زالت المقاومة الفلسطينية تحصد ثمار يقظتها وقوتها الأمنية، مقابل ضعف أمني وفشل ذريع سجله ذاك اليوم للاحتلال الإسرائيلي ولا زال يهوي في قاع الفشل، قادته الامنيون خاصة وحدة النخبة الإسرائيلية "سيرت متكال".
ويرى خبراء في الشأن الإسرائيلي ومختصون أمنيون أن المقاومة الفلسطينية، كانت ولا زالت تمتلك قدرة عالية على المناورة والتهديد للاحتلال الإسرائيلي فيما تمتلكه من "كنز استخباري" ومعلومات أمنية ثمينة من عملية "حد السيف".
الخبير في الشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر، قال تعقيب له على الذكرى السنوية الأولى للعملية: "في هذا اليوم قبل عام كامل؛ وفي خانيونس جنوب غزة؛ مرغ مقاتلون أشداء من حماس أنف نخبة النخبة في الاستخبارات الإسرائيلية في التراب".
وأضاف أبو عامر: "قتلوا قائدهم-قائد القوة الأمنية الإسرائيلية-، سمعوا صراخهم؛ أوقفوا (إسرائيل) كلها، حكومة وجيشاً ومخابرات؛ على قدم واحدة؛ ينتظرون الأخبار القادمة من مقبرتهم المسماة غزة".
وأكد أبو عامر أن (إسرائيل) أيقنت بعد فشل قوتها الخاصة في خانيونس، "أن هذه البقعة الجغرافية غزة، محرمة عليهم، وأن دخولها تسللاً أو اقتحاماً، لن يكون نزهة نهاية الأسبوع، لأن معجزة فقط منعت تبييض السجون من أسرانا، لو قدر لحماس اعتقال أفراد النخبة الإسرائيلية"، مردفاً :"خيرها في غيرها!".
وتابع: "كبار ضباط أجهزة الأمن في (إسرائيل) يترقبون في الساعات القليلة القادمة، ما ستكشفه حماس في غزة عن قمة جبل الجليد في الكنز الاستخباري الذي حازت عليه، في مثل هذا اليوم من العام الماضي خلال المعركة مع قوات النخبة الإسرائيلية شرق خانيونس، ونحن مترقبون كذلك!".
من جهته، رأى المختص في الشأن الأمني عبد الله العقاد أن عملية "حد السيف" مثلت نقلة نوعية في استراتيجية التعامل مع الاحتلال، "وأحدثت حالة من التخبط المستمر لديه حتى يومنا هذا".
وقال العقاد إن المقاومة ثبتت قواعد اشتباك مع الاحتلال أكبر مما كانت عليه قبل العملية، وحرقت الوحدة التي عملت في ساحات متعددة قبل ساحة غزة، "وبالتالي انتصرت المقاومة في صراع الأدمغة ضد الاحتلال"
وأشار إلى أن الاحتفاظ بالمعلومات يأتي ضمن إدارة المعركة وأنه يمكنها الاستفادة منها مستقبلا، "وإن كانت هناك معلومات عند المقاومة وأبقت عليها، فهي ترفض الإفصاح عنها لمصلحة لديها".
أما الكاتب والمحلل السياسي، ماجد الزبدة أشار إلى أنه "في مثل هذا اليوم من العام الماضي بلغت المعركة الأمنية ذروتها بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال".
وقال الزبدة: "لعنة غزة التي أصابت نخبة استخبارات هيئة أركان الاحتلال آنذاك لا زال صداها حاضراً وبقوة في المشهد الأمني الصهيوني الذي تعرض لهزة زلزلت أركانه بشكل لم يسبق له مثيل".
وتابع: "أن تتمكن المقاومة الفلسطينية من تفكيك شيفرة العمل الأمني الصهيوني وتكشف بنيته الأمنية وتقتل وتصيب ضباطه المخضرمين وتكشف أسماءهم الحقيقية التي حرص الاحتلال على إخفائها طيلة سنوات مضت إنما يمثل منعطفا مفصليا في العمل الفلسطيني المقاوم".
وأكد أنه "يحق للمقاومة الفلسطينية أن تفخر بإنجازات رجالها وهم يثبتون قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال ويجعلون قادته يفكرون مليا قبل اتخاذ قرار التسلل إلى غزة تحت أي من المسميات".
وأردف بالقول: "أحسنت المقاومة صنعا وهي تراكم إنجازاتها الأمنية وأبدعت في توعية الشباب الفلسطيني بقدرته على تهشيم صورة الجندي الصهيوني الذي كان حتى عهد قريب في صورة الجندي الذي لا يُقهر".
وكانت القوة الاحتلالية الخاصة التي تسللت إلى المناطق الشرقية لخان يونس، استخدمت مركبةً مدنية، اكتشفتها قوةٌ أمنية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وحضر إلى المكان القائد الميداني في الكتائب نور بركة للوقوف على الحدث، وعلى إثر اكتشاف القوة بدأ مقاتلو الكتائب بالتعامل معها ودار اشتباك مسلح أدى إلى استشهاده ومقاومًا آخر؛ بحسب بيان "القسام".
وفي أثناء مطاردة المقاومة للقوة الاحتلالية، تدخل طيران جيش الاحتلال الحربي ونفذ عمليات قصف للتغطية على انسحاب هذه القوة.
واستشهد خلال عمليات المطاردة والاشتباك: علاء الدين فسيفس، ومحمود مصبح، ومصطفى أبو عودة، وعمر أبو خاطر، وهم مقاوِمون قساميون، إضافة إلى خالد قويدر من ألوية الناصر صلاح الدين، في حين اعترف الاحتلال بمقتل ضابط كبير وإصابة آخر من عديد قوته الفاشلة.
ولاحقًا أوضح المتحدث باسم "القسام"، أن العملية كانت تهدف إلى زراعة منظومة تجسس للتنصت على شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في قطاع غزة، وأنها بدأت قبل التنفيذ بعدة أشهر من خلال إدخال المعدات الفنية واللوجستية والسيارات المخصصة لها تهريبًا على مراحل مختلفة عبر المعابر المؤدية إلى القطاع، وخاصة كرم أبو سالم المخصص للبضائع والاحتياجات الإنسانية والمعيشية.