ضمن سياسات الاحتلال التعسفية والمخالفة لقواعد وأحكام القوانين الدولية يعيش أطفال مدينة القدس المحتلة عناء الحبس المنزلي الذي يعد سجنًا أكثر ظلمة، حيث يُحكم عليهم بالمكوث في المنزل لمدة تحددها المحكمة، يمنع فيها من الذهاب للمدرسة، أو حتى زيارة الطبيب وقت المرض.
رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب أوضح أن الحبس المنزلي سياسة متبعة من الاحتلال مع كل الأعمار، لكن يتعمد تنفيذها أكثر مع الأطفال دون 12 عامًا، لافتًا إلى أن قوات الاحتلال تضرب الطفل بهمجية فور اعتقاله، أو تضرب وتهين أحد والديه لإجباره على الاعتراف بالتهم المُلفقة.
وأضاف في حديثه لصحيفة "فلسطين": "تنعقد المحكمة مرات عدة لتخرج بقرار الحبس المنزلي مصاحبةً ذلك بشروط مجحفة كدفع كفالة مالية عالية، وجلب ثلاثة كفلاء، ليس لديهم أي مخالفات مع سلطات الاحتلال، وهو ما قد يكون أمرًا شبه مستحيل".
وأفاد بأن الحبس المنزلي يأتي بنوعين: الأول يُلزم الشخص، سواءً كان طفلًا أم فتاة، رجلًا أم امرأة، بالبقاء في بيته، دون الخروج مطلقًا طوال الفترة المحددة؛ أما الشكل الثاني والأكثر صعوبة وهو الحبس المنزلي في بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء خارج منطقة سكناه وحيه.
وبين أبو عصب أن الحبس المنزلي يتراوح بين أيام وأشهر، وقد تصل لسنة أو ما يزيد، ما يشتت العائلة ويزيد من حالة القلق لديها، ويحول البيت إلى سجن، والأهل إلى سجانين لحرصهم على عدم خروجه خوفًا من الاعتقال، والشروط المجحفة بحقهم.
ويمنع الحبس المنزلي، بحسب أبو عصب، الأطفال من الذهاب إلى مدارسهم، أو العلاج عند طبيب في حال مرضهم، أو اللعب وممارسة حياتهم كأطفال، ما يزيد درجة العدوانية لديهم ويؤثر كثيرا في الحالة النفسية للطفل.
ومع بداية العام الدراسي الجديد يجد الطفل زملاءه يتوجهون إلى المدارس مبتهجين وفرحين بالحقائب والملابس الجديدة، وهو لا يستطيع أن يشاركهم تلك الفرحة، يصبح عصبياً ويصرخ على أهله دون داعٍ، لأنه يعد والديه سجانين، وهذا يحمل آثار اجتماعية على طبيعة العلاقة داخل الأسرة الواحدة، ويخلق حاجزا وجدارا بين الطفل وأهله، وفق ما أشار رئيس لجنة أسرى أهالي القدس.
وأكد أبو عصب أن مئات الأطفال فقدوا حقهم في التعلم بسبب اضطرارهم إلى إعادة سنوات دراسية، ورفضهم العودة للتعليم بعد قضائهم سنوات عدة بين الحبس المنزلي والاعتقال في سجون الاحتلال، ولعدم وجود مؤسسات تأهيل بعد تجربة الأسر.
وبيّن أن الاحتلال يستهدف الأطفال بالحبس المنزلي متعمدًا في مراحل عمرية فاصلة، ما يجعلهم أكثر عرضة للانهيار النفسي وعدم تقبلهم العودة للحياة الطبيعية.
وتُجرِّم كل المواثيق والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977م، الحبس الانفرادي، واعتقال الأطفال.
من جانبه أكد المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي أن الاحتلال يسعى لحسم أمر مدينة القدس بالإخلال بديمغرافيتها وتغيير جيل المقدسيين الجدد، وخلق جيل جديد غير مهتم بقضايا القدس والتعليم وغيرها.
ومن طرق هدم المنظومة التعليمية في القدس كما أوضح الهدمي، الحبس المنزلي الذي حرم أطفالها التعليم، ويهدد مستقبلهم، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية الناتجة عن تقمص الأهل دور السجان؛ خوفًا وحفاظًا عليه من تهديدات الاحتلال، ما يهدد استقرار العائلة.
وذكر أن عددًا من الأطفال المقدسيين بمختلف مستوياتهم الدراسية يُحرمون بداية كل عام من الالتحاق بمدارسهم، وهذا بالنسبة للاحتلال "كمن يضرب عصفورين بحجر"، حيث يضمن حبس الطفل وهدم مستقبله التعليمي.
وفي إحصائية نشرتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين ذكرت فيها أن أكثر من ٣٠٠ طفل مقدسي عاشوا فترة حبس منزلي خلال السنوات الأربع الماضية، في حين لا يزال حوالي ٣٠ طفلًا منهم يخضعون لذلك النوع من العقاب الجسدي والنفسي.