فلسطين أون لاين

فرصة أخرى

رغم جمالها المتواضع إلا أنه أحبها كثيرا ..

لم يكن من الرجال الذين يحبون المظاهر الكاذبة، ولم يقترن بها ليخوض مضمار سباقات الجمال الزائفة، التي لا هم لها إلا الشكل الخارجي بينما تغفل عن جوهر الأشياء والتي تعني له الشيء الكثير..

لقد اصطحبها لتكون له عونا في وقت الشدة، تحمله إذا ما خانته عثرات الزمن، وتؤنسه إذا ما استوحش الطريق، يستند عليها فتتساقط عنه الأوجاع والهموم كشجرةٍ غشيها الخريف فاستسلمت لنداء الطبيعة، ونفضت عن كاهلها أوراقها الجافة راضية مطمئنة..

كانت تحاول إسعاده بما لديها من قوة، تصبر معه برباطة جأش يفوق قدرتها، غير آبهة بما يقال عنها من تندرعلى هيئتها طالما أنه هو مقتنع بها، راض عنها، سعيد بها.

لم تكن أمه راضية عن نصيب ابنها، وترى أنه يستحق الأفضل حتى وإن كان يحبها، فهي ليست قدره الحتمي، وبإمكانه أن يجرّب حظه مرة أخرى دون يتخلى عنها، فلمَ يضيّق واسعا أحله الله له، لكنها بعد كل نقاش كانت تستسلم أمام رغبته الجامحة بها، وحبه لها، وتمسكه بها..

مرت الأعوام تلو الأعوام على هذا الحال حتى بدأت حالتها تسوء مع تقدم العمر، وبدا جسدها هزيلا نحيلا، لا تكاد تقوى على السير.

كان يتسلل إليها، ليغطي جسدها المنهك من برودة الجو، ويقف أمامها عاجزا ودموعه تنساب على وجنتيه لما أصابها، يستذكر أياما خلت من العشرة الطويلة، التي عاشاها سويا بحلوها ومرها..

ورغم ضيق الحال وقلة ذات اليد إلا أنه لم يقصر معها، ولم يبخل عليها، ، لقد كان يجلب لها العلاج من الخارج بأثمان باهظة لرداءة المنتج المحلي أحيانا، ولعدم توفره أحيانا أخرى، كل ذلك في سبيل أن تعود عفيّةً كما كانت..

حار في علّتها كبار الاستشاريين والخبراء، ومع مرور الوقت أيقن أن النهاية باتت قريبة، وأن ساعة الرحيل قد أزفت، وأن مشيئة الله نافذة لا محال..

لم يعد لديه ما يطببها به بعد أن أنفق في علاجها كل ما يملك، وأصبح وجودها عبء عليه يستنزفه يوما بعد يوم، ويثقل كاهله، ولا يعلم متى النهاية سوى الله..

في إحدى الليالي المقمرة، أخذ ينظر إلى السماء وقد استبد به اليأس، وضاقت عليه نفسه حتى باتت ضلوعه تعتصر قلبه، وبعد تفكير عميق، انطلق صوبها ثم اتجه بها إلى أعلى الجبل، أغمض عينيه ودفعها إلى أسفل الوادي لينهي معاناتها ومعاناته في آن واحد..

نعم لقد تخلص من سيارته القديمة المهترئة وقرر أن يستمع إلى نصيحة أمه ويقتني سيارة أفضل يستحقها.