قبل أسابيع اصطحبتُ ولدي يحيى (6 سنوات) إلى سوق الخضراوات الشعبي (البسطات)، وارتكبتُ هناك خطأً قلما أفعله إذا كنتُ وحدي، فما البال إن كان معي طفلي الذي يتعلم مني؟!، ففي أثناء سؤالي عن أحد أنواع الفواكه، عرض عليّ بائعها حبةً لأتذوقها وأحكم بنفسي، فتناولتها منه ووضعتها في فمي دون تفكير.
البائع ذاتُه قدم لطفلي "يحيى" حبة أخرى، فأخذها ولدي وقضمها مباشرة كذلك، ولاشك أنه لا يجوز هنا أن أنهره أو أمنعه عن فعلٍ رأى والده للتوِّ قد فَعَلَه.
يؤكد التربويون دومًا أن الأطفال إسفنجة تمتص كل المواقف التي تمر أمامهم، وأنهم يدركون كيفية التصرف الصواب أو الخطأ معها، من تصرفات الكبار.
والأطفال يعكسون صورة مطابقة لسلوكياتنا وتعاملنا مع الوسط المحيط، فيقلدوننا في الصغيرة والكبيرة، وتقليدهم ما نسميه "التعلم بالقدوة"؛ فهم يرون الكبار من حولهم قدواتٍ ونماذج في الحياة يسيرون على خطاها.
لذا إن على الوالدين أن ينتبها جيدًا لتصرفاتهما داخل البيت وخارجه، وأن يجنبا أطفالهما تعلم سلوكياتٍ خطأ بالتقليد، فالحرص على التصرفات -خاصة أمام الأطفال- مهم ومن الأدوار الضرورية في العملية التربوية، وعدم القيام بهذا الدور عقوق من الوالدين لأبنائهما.
وإن الطفل لن يستسيغ نصيحة من الوالدين يراهما يمارسان عكسها، فمثلًا أن يكون الأب مدخنًا، وينهى ابنه عن التدخين، هذا الأب عبثًا يحاول، لأن النهي الحقيقي عن التدخين هو أن يراك الابن وقد قررتَ تركه نهائيًّا، أو ألا يراك على الأقل وأنت تدخن، ولنتخيل هنا جُرمَ الأب الذي يطلب من ابنه أن يذهب إلى كشك السجائر ليشتري له علبة الدخان، فهذا لا يعلمه التدخين فقط، بل يعلمه طرق الوصول إليه.
نعود ليحيى، الذي فور وصولنا إلى البيت فاتحته بالحديث أنْ كيف تناولت فاكهة دون أن تغسلها؟، فأجاب مباشرة: "إنكَ فعلت ذلك، يا أبي"، فاعتذرتُ إليه واعترفتُ بخطئي، ثم تعاهدنا ألا نأكل شيئًا دون التحقق من سلامته ونظافته، مهما كان لذيذًا.
و"تعاهدنا" هنا مردُّها أنني أردتُ أن يفهم أن الخطأ الذي ارتكبناه معًا سنتركه معًا، لا أن تتركه أنتَ أيها الصغير، وأنا الكبير لا علاقة لكَ بتصرفاتي، وهكذا باختصار نربي أبناءنا.