نقلت شاشات الفضائيات موقف حركة حماس من الانتخابات بحضور رئيس لجنة الانتخابات المركزية د. حنا ناصر وقادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، بالإعلان عن موافقتها على إجراء الانتخابات.. فهل كان موقف الحركة هو مجرد تكتيك لإحراج أبو مازن أم أنها مضطرة للموقف؟ وهل الموقف مجرد فقاعة إعلامية لإثارة الجماهير أم هو انحياز لمصالح شعبنا؟
لا شك أن الموقف بدا كخيار إستراتيجي تتبنّاه حركة حماس كونها تؤمن أن الطريق لمعالجة الأزمات الواقعة على الساحة الفلسطينية يكون عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة يصار اليها لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتجديد الشرعيات، إلى جانب تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام.
الموقف لم يكن مفاجئا لجماهير شعبنا ولفصائل العمل الوطني والإسلامي، كون قيادة حماس اتخذت في وقت سابق جملة من الخطوات السياسية والميدانية والفنية وتنازلت طوعا عن كثير من الاشتراطات والمطالب لتقريب المسافات وكسر هوة الخلاف، فقد ذهبت الى القاهرة مرارا وعواصم عربية وغربية لاستئناف الحوار مع حركة فتح، واستقبلت قيادة السلطة وفتح في غزة، وأفسحت لهم الوزارات والمكاتب.
وغادر رئيس الحكومة إسماعيل هنية مجلس الوزراء استجابة لهذه الجهود كي تتشكل حكومة أخرى تسيّر الاوضاع ضمن التفاهمات الحاصلة، وتحرك يحيى السنوار بكل مسؤولية لتنفيذ ما اتفق عليه وأعطى الامر لتسليم معبر رفح لأجهزة السلطة وباقي الوزارات الأخرى وذلك من موقعه رئيسا للمكتب السياسي في قطاع غزة.
لكن بكل أسف لم تتلقف قيادة السلطة وحركة فتح هذه المواقف بجدية ولم يمسكوا بورقة المصالحة بقوة وأسقطوها من أيديهم، عبر تصريحات جوفاء استمرت في بث روح الكراهية والتحريض والتقليل من قيمة مواقف قيادة حماس، وذلك لعدة أسباب وأبرزها أن قيادة السلطة غير معنية بقطاع غزة ولا تريد تحمل أي مسؤوليات تجاهه وتحرص على إزاحة حماس من المشهد السياسي والميداني وفرض املاءات غير وطنية متعلقة بسلاح المقاومة وتشكيلاتها، ويكفى الاشارة لما قاله رئيس السلطة (نريد سلاحاً شرعياً واحداً) مرددا ذلك في اكثر من مناسبة، وأيضا الاستجابة للضغوط الإسرائيلية التي ساهمت في ثني السلطة عن مواصلة التفاهمات او تنفيذ ما اتفق عليه تحت وقع التهديد والتلويح بخفض مستوى التعاون وتعريض مصالح بعض رموز السلطة للخطر، إضافة الى الدور الأمريكي الذي يدور في الفلك الإسرائيلي وهو بالأساس يفرض مقاسات خاصة لأي حلول في الساحة الفلسطينية يمكن ان تقوم بها السلطة، فإما وقف المساعدات وفرض عقوبات على السلطة أو الاستمرار في تنفيذ الاجندة الدولية التي تسعى لضرب مكامن القوة الفلسطينية وتجريد شعبنا من سلاحه ولجم مقاومته وكسر مخالبه في مواجهة (إسرائيل).
على أي حال فلربما كانت حماس تعرف الأسباب التي أدت الى تفجر الأوضاع وانهيار اتفاقات سابقة وفشل محاولات وجهود كبيرة لتجاوز الوضع الراهن، لذلك نوقشت مسألة الضمانات باستفاضة لتفادي أي انحراف او خروقات يمكن أن تؤدى الى فشل الجهود الحالية المتعلقة بالانتخابات.
الأنظار تتجه الان الى المقاطعة، جدية رئيس السلطة في التحرك الفوري نحو التقاط موقف حركة حماس والفصائل الفلسطينية، وتوفير (بيئة مناسبة) لهذه الانتخابات ومنها تحييد الأجهزة الأمنية ومنعها من ملاحقة عناصر حماس في الضفة والسماح للمؤسسات الإعلامية والجمعيات بممارسة اعمالها بكل حرية، وحماية المرشحين وعدم التأثير على إرادة الناخبين بأي صورة يمكن ان تشكل مصادرة لحقوقهم، علاوة على الاتفاق على شكل ومضمون محكمة الانتخابات، ولجم كل الالسن المنفلتة داخل وخارج السلطة والذين يتغذون على الانقسام ويتراقصون على عذابات شعبنا دون أدنى مسؤولية، واتخاذ مواقف شجاعة يخلدها التاريخ في مواجهة العنجهية الإسرائيلية والعربدة الامريكية بتبني خيارات شعبنا والانسجام مع رغباته وتطلعاته الوطنية، وتجاهل كل الضغوط والاملاءات الخارجية الهادفة الى إبقاء حالة الانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية.