"إما الأفضل أو لا شيء" شعار تلك السمة الجميلة التي تتغلل في شخصيات بعضٍ، كم هي مُتعِبة حقًّا!، هو نفسه شعار: "إما أن أكون أو لا أكون"، فبعض منّا اعتاد ارتياد المراتب العُليا، لقد انتهى من السير رأسًا واستقر بالمُضي في الاتجاه الأفقي للقمة مع الاحتفاظ بعامل الإبهار الممتع.
من الصعب جدًّا استمرارية العمل في المراتب الشاهقة الارتفاع، إنه أمر أشبه بـ"الجِهاد" مع الكم الضخم الذي يظهر عليه من الإثارة والرِفعة والرُقي، فهو يستلزم صبرًا وطول نفس مع أناة وتخطيط واعٍ وذكاء لعروج ذاته دون ترك بصمات مفهومة.
هذه الشخصيات الفذّة هي شخصيات مُذهلة بتجددها دومًا، وإن توقفها عن التجدد أوقاتًا طويلة قد يُخفت من بريق تفردها.
قد تكون هذه سمة أساسية في (كاريزما) الشخص، تجده لا يرى نفسه إلا في المكان الأفضل، شيء شبيه بِحُب إحراز المرتبة الأولى لدى طلاب المدارس مع الاختلاف الكبير بين المفهومين: (مفهوم الأرقام، ومفهوم الأفضلية)؛ فغالبًا يحرز الطالب المرتبة الأولى في مدارسنا بتحصيل علمي "أعلى" لا أفضل تبعًا لمقاييس الأفضلية المُتبعة في التعليم المتطور في أنحاء العالم.
بغض النظر عن جانب التعليم، فهو ليس موضوع حديثي هُنا، ولكني ذكرته مثالًا فقط، وبالعودة إلى تلك الصفة التي تنفرد بها شخصيات مُحددة غالبًا؛ أرى أن هذه الشخصيات الآسِرة تأخذ وقتًا طويلًا في إنجاز مهامها المتميزة، إذ يتوفقون برهة بعد كل إنجاز في محاولة للاستعداد والتحضير للقيام بعمل إما يضاهيه في التقدم أو أعلى منه، وليس دون ذلك أبدًا.
لحظات التوقف هذه على أهميتها بالتحضير للقادم الأجمل تُخيف أحيانًا من ناحية الوقوع في شِباك الملل الذي قد يغزو الروح والنفس، ويهدد الطاقة الإيجابية المنبعثة من فرحة الإنجاز، ربما تزداد المخاوف وتحاول القيام بأي شيء ريبًا من خُفوت وهجك، فتُقدم شيئًا من جهدك وطاقتك، لكنه قياسًا بإبداعاتك هو "لا شيء".
إن طول زمن التوقف قد يصبح أحيانًا تهديدًا واقعيًّا لقدرتك على نيل الأفضل، لكنه ليس سببًا رئيسًا أو كبيرًا لهذه الدرجة، على العكس إذا كنت تستغل تلك الفترة في تطوير ذاتك وإمكاناتك بالاطلاع ولم تقضها بالخمول والكسل؛ فلن يجف قلمك ولن تَغبر روحك ولن تحدث أية فجوات بين ما قدمته وما أنت عليه الآن، فقط عليك أن تضع تلك التخوفات جانبًا وتَهِمُّ بالعمل.
في غمرة انبهارك بأدائك وذهولهم بك إياك أن تغتر بقدراتك وأن تجعل منسوب الأدرنالين لديك يزداد أكثر مما يجب، وإلا فإنه سيكون عملك الأخير البراق، وستغدو أسيرًا لهواجس ذاتك و"الأنا" التي تقتحم شرايينك، عليك دومًا أن ترى ذلك العمل مجرد شُعلة، وقبل أن تلوذ بالسكون وتنطفئ يجب أن تشعلها بأخرى، وإلا فلن يبقى لديك سوى الرماد.
غالبًا تكون هذه الشخصيات قيادية لأنها مؤثرة بأسلوبِ أدائها، وبما تمتلكه من سمات شخصية تُساعدها على إنجاز عملها بأرقى ما يكون، وتبدو سماتها تلك كالخلطة السرّية لدى المهرة في إعداد الطعام، مع أنه يبدو ظاهريًّا أن شخصيات إحراز المركز الأول بحسبِ العلامات كطلاب المدارس هي القيادية، لكنها في الواقع شخصيات هشة الأداء وضعيفة التأثير.
تبدو لي هذه الكائنات الوضاءة شخصيات حالمة وعنيدة في الوقت نفسه، ليس العِناد الفارغ المضمون، وإنما العناد بالثبات على المبادئ مع تجديد القشور بما يناسب طبيعة كل مرحلة يتقدم إليها دون المساس بالجوهر، وهم بأعمالهم دائمًا متوهجون ومبهرون، ذلك الإبهار المبني على إتقان العمل حيث لا وجود للثغرات، فهم يتركون طعم إنجازهم على الشفاه حيث الأفواه مفغورة، إنهم المُبدِعون.