لا يختلف مراقبون أن حركة فتح التي كانت وما زالت تعد إحدى أكبر الحركات الفلسطينية، باتت اليوم أمام أفق سياسي مسدود، ووضع لم تمر به على مدار تاريخها، فالحركة لديها علاقات متوترة مع النظام المصري الحالي ودول الرباعية العربية، في ظل إدارة أمريكية جديدة تتماهى بشكل غير مسبوق مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي.
فضلا عن ما تشهده حركة فتح من خلافات داخلية كبيرة لا ينكرها أبناء وقادة فتح أنفسهم بل يتبادلون الاتهامات، كذلك في ظل عدم تحقيق المصالحة مع حركة حماس، ليبقى التساؤل: لماذا لا تغير الحركة مسارها السياسي رغم اتضاح وصوله لطريق مسدود؟ وأسباب عدم ذهاب رئيس فتح والسلطة الفلسطينية محمود عباس لإنهاء الانقسام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل حركته؟.
المشهد الفتحاوي
المحلل السياسي خالد عمايرة يرى أن المشهد الفتحاوي غير مستقر لأسباب عديدة خاصة في ظل فشل "المسيرة السلمية"، وعدم وضوح الرؤية حول من سيخلف عباس، فضلا عن مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة التي تختلف عن الإدارات السابقة بالتماهي مع السياسات الإسرائيلية.
وقال عمايرة لصحيفة "فلسطين": "إن فتح فشلت في تحقيق الأهداف التي قالت إنها سوف تقوم بتحقيقها وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف"، مبينا أنه بدلا من إقامة الدولة أقامت فتح السلطة التي أصبحت أكبر عائق أمام الدولة، وأنها فشلت فشلا استراتيجيا في هذا المجال، لذلك "يطبلون على أمجاد الماضي".
كما أن عقلية رئيس فتح محمود عباس، كما تابع، من بقايا العقليات العربية في فترة الستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، مضيفا: "إن تغيير منهجه السياسي صعب، فهو في أواخر عمره، فضلا عن أنه رجل دكتاتوري لا يستمع للآخرين ويتحكم بكل منافذ السلطة.
يتفق المحلل السياسي عمر عساف مع كلام عمايرة، مضيفا: "إن هناك تباينات ما زالت تتفاعل في المشهد الفتحاوي بعد المؤتمر السابع للحركة الذي انعقد في 27 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي".
وقال عساف لصحيفة "فلسطين": "إن المسار السياسي لفتح يشكل أحد الأسباب الرئيسة في الخلافات الفلسطينية"، مشددا أن المطلوب التوقف عن المراهنة على السياسة الأمريكية التي أدت إلى تراجع القضية الفلسطينية، كذلك الخروج من المربع الذي وضعها به اتفاق أوسلو.
والتفرد بالقرار السياسي، وفق عساف، يغيب العقل الجماعي والمشاركة الفلسطينية من قبل الفصائل، وحتى في إطار هيئات فتح، في اتخاذ القرارات، ويبقيها رهن مزاج رئيس السلطة ومستشاريه، متابعا: "إن عباس يخضع للضغوط".
وتوقع بقاء الوضع على ما هو عليه، مما سيلحق الضرر بالقضية الفلسطينية، مشددا على ضرورة الخروج من هذا النهج الدكتاتوري في كل العمل الفلسطيني.
أستاذ الإعلام بجامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش يقول: "إن الشخصنة هي التي أدت لوصول فتح لهذه المرحلة"، مضيفا، أن فتح تتعامل من خلال الأشخاص وهذا أسوأ شيء من الممكن أن يحصل بأي تنظيم.
وتابع الأقطش لصحيفة "فلسطين": "ملف القيادي المفصول من فتح محمد دحلان شائك سواء مع فتح أو حماس، وحتى الآن لم يصدر قرار رسمي بإدانته"، مشددا على أنه يجب التعامل مع ملف دحلان من خلال المحاكم وليس تصرفات فردية.
وتبعا لحديث الأقطش، فإن الأنظمة العربية تتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق مصالحها الخاصة.
وبشأن تداعيات الخلاف الأخير من خلال منع مصر للواء جبريل الرجوب من دخول أراضيها على مستقبل العلاقة مع السلطة، أوضح أن ذلك "مماحكة" من مصر والسعودية والإمارات لحركة فتح التي عقدت مؤتمرها السابع بدون الموالين لمحمد دحلان، لذلك قررت تضييق الخناق على جماعة عباس.
وهذا مؤشر، وفق الأقطش، على أن تدخلات العرب بالشؤون الداخلية الفلسطينية غير جيدة، وأن ذلك يعبر عن الأزمة العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية التي تمثل لهم "ورقة رابحة وضاغطة؛ لتحقيق مصالحهم".
مصر والسلطة
المستشار الإعلامي في وزارة الخارجية المصرية عبد المنعم مبروك يقول: "إن مصر تضع القضية الفلسطينية ضمن ثوابتها الخارجية"، لافتا إلى أنه لم يحدث اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني منذ سنوات.
وأضاف مبروك لصحيفة "فلسطين": "الخلل الموجود داخل السلطة الفلسطينية نابع من صراعات النخبة داخلها"، لافتا إلى أن (إسرائيل) انتهزت فرصة الخلافات العربية في تعزيز هذه الصراعات.
وتابع قائلاً: "كان على السلطة أن تعي المخاطر المحيطة بالواقع الفلسطيني وتضع أيديها بيد مصر لتعود الوحدة داخل السلطة أو الوحدة الفلسطينية ككل (..) عندما تشير مصر على السلطة بمواقف محددة فهذا نابع من خبرة مصر السياسية".
ويرى مبروك أن السلطة تخسر كثيرا في توتر علاقتها مع مصر من النواحي السياسية والأمنية، وقال: "عندما تجرى الانتخابات فالشعب الفلسطيني له الحرية في اختيار ممثليه، ومصر لن تفرض أحدا عليهم".
المسار السياسي
فيما قال القيادي بحركة فتح عبد الله عبد الله: "نحن أمام مخططات ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية، في ظل غياب العمق الإقليمي والعربي المساند للقضية".
وأضاف عبد الله لصحيفة "فلسطين": "لا يمكن أن نقبل أن يعين رئيسنا وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويجب أن يعرف الجميع أن قضيتنا ليست للمساومة وهي قضية مركزية".
وشدد على أن الأمة العربية بحاجة إلى رافعة إقليمية وعربية في مواجهة التحديات المختلفة. وتابع: "مصر مؤهلة أن تكون هذه القوة، ونريد أن نسندها لتعود لمكانتها الأصلية، وهذا يتطلب بعض المسؤوليات على الجانب المصري"، مردفا: "لا نستطيع التخلي عن مصر وكذلك العكس".