اختارت مصيرها بعد زيارتها لمدينتها الأم نابلس، زيارة استمرت لمدة خمسة أعوام متتالية جعلتها تتجه نحو مجال الطب فيما بعد كي تخدم أبناء بلدها.
الانتماء للوطن والأرض أمرٌ حرص والداها على أن تدركه باكراً، لكن ما شاهدته من مواجهات مستمرة، وأصوات سيارات الإسعاف، وأزيز الرصاص، وجيبات الاحتلال الإسرائيلي المصفحة، وأطفال بعمر الورد تزهق أرواحهم، وبنادق مصوبة تجاه صدور الشباب العارية، لتستهدفهم أمام المارة دون ارتكابهم لأي ذنب، كل ذلك جعلها تعيش حالةً من الخوف والذهول، وأخذ عقلها يطرح الكثير من الأسئلة التي تجاوزت عمرها، لتترك بصمةً عميقة في نفسها، وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة تشكلت شخصيتها فسلكت طريق الإبداع والتميز خاصة مع ظهور ملامح النبوغ لتكرس حياتها في مساعدة شعبها.
كارولين عساف (16 عامًا) ولدت في ولاية نيوجيرسي، ودرست بمدرسة باسيك التقنية المتخصصة في التأهيل الطبي، حازت المرتبة الأولى في مسابقة "هوسا" الطبية العالمية، ووصلتها قبل أيام قليلة رسالة من طبيب البيت الأبيض، ليتم اختيارها لتمثل ولاية نيوجرسي بالكونغرس الطبي بجامعة "هارفارد".
طريق التعليم
بعد أن أصبحت كارولين في الصف الثالث الابتدائي، أخذت تنضج شخصيتها وقررت أسرتها أن تعود بها إلى الولايات المتحدة؛ لا سيما أنها خافت من أن تؤثر الأحداث الجارية على معنويات الصغيرة ومستواها الدراسي.
كانت العودة عام 2013 استعداداً للتأهيل الجامعي، إلا أن الجامعات الأمريكية تشترط أن يكون الطالب قد أمضى العامين الأخيرين في مدرسة أمريكية، بدلاً من خوض العديد من امتحانات اللغة والتأهيل لتحظى بقبول جامعي.
تجربتها في فلسطين وما شاهدته من ألوان العذاب والإهانة للشعب الفلسطيني، دفعها لاتخاذ قرارٍ صعبًا مفاده: "سأسلك طريقًا مختصرًا من أجل الوصول إلى هدفي في مساعدة الفلسطينيين وخاصة الأطفال"، وفق قولها.
حازت عساف على المرتبة الأولى في المسابقة الطبية أمام عدد كبير من المنافسين، وكانت المسابقة عبارة عن التقاط ثلاث صور لطبيب وهو يمارس عمله، أو أثناء إجرائه لعملية جراحية، ويتم كتابة قصة عن الصورة بطريقة علمية تشرح القيمة العلمية التي يقوم بها الطبيب، وأضافت: "ثم يتم عرض الصور والتقارير المرفقة على لجنة متخصصة من الأطباء، وتم اختيار أفضل عشرة بحوث، وتم اختيارهم من قبل لجنة الحكام الأطباء".
اتخذت ضيفتنا من التفوق والاجتهاد شعارًا في حياتها الدراسية، فكانت تدرس في الأكاديمية الطبية، وفي ذات الوقت تدرس في الجامعة من خلال تسجيل ساعات دراسية لتهيئها فيما بعد لأن تصبح طبيبة أطفال، فأنهت ما يقارب 45 ساعة، ولا يسمح بالسير على هذا النظام إلا للمتفوقين، وبذلك ستتمكن من تحقيق هدفها بإنهاء دراسة البكالوريوس في الطب في عامين.
وهكذا في العام الماضي تم اختيار كارولين لتكون سفيرة الطلبة، حيث اختيرت من بين 3400 طالب لتكون بدائرة النجاح.
بصمة التطوع
بداخل هذه الفتاة طاقة تفوق عمرها، لتكون عساف التي لم تتجاوز مرحلة الطفولة وفق القانون الإنساني رائدة في مجال التطوع، فتعاضد مجهودها مع مركز الجالية الفلسطينية في الولاية، وساعدت الأطفال على أداء واجباتهم المدرسية، عبر الترجمة لهم من اللغة الانجليزية إلى العربية وخاصة للطلبة الفلسطينيين الجدد.
وتابعت عساف حديثها: "أنا متطوعة أيضًا مع المؤسسة العالمية الأيدي المساعدة (HHDR) حيث نقوم بجمع الملابس الصيفية والشتوية للاجئين الفلسطينيين والسوريين، ونوزع عليهم سلالا غذائية من المعلبات وبعض المواد الأساسية بشكل دوري، إلى جانب تطوعها مع جمعية الصليب الأحمر لجمع تبرعات دم".
ومن أحد النشاطات التي شاركت بها، الذهاب إلى نيويورك لتوزيع الورود على المارة، وكل وردة مرفقة بحديث للرسول عليه الصلاة والسلام، لنثبت للجميع أن الاسلام هو دين المحبة والرحمة، خصوصًا بعد تولي ترامب الرئاسة.
وأوضحت عساف أن هدفها من المشاركة في هذه النشاطات، نشر التوعية بالمجتمع حول أهمية التطوع، ومساعدة الفلسطينيين بالخارج والداخل على قدر المستطاع، ورغم ما تحتاجه هذه الأعمال من تعبٍ ومجهود، "إلا أنه في النهاية عندما تشاهد نتائج التغيير في المجتمع حتى لو بشكلٍ بسيط، فكل التعب يزول".
ورغم عمرها الصغير إلا أنها ترى أن التفكير لا يحكمه عمرٌ معين، فأهم شيء أن يكون لدى الإنسان هدف، وأمل بالمستقبل، وسعي نحو التغيير للأفضل، والإصرار على الوصول، وأن تعم الفائدة على الآخرين.
تقول: "مما حرك بداخلي فكرة التطوع ما نشاهده في الشوارع من إهانة وإساءة ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الاسلام؛ فكان يجب أن نوصل الصورة الصحيحة".
وتجمع عساف بين العمل الإنساني ومجالها الطبي من خلال قوة شخصيتها والصفات القيادية التي تتحلى بها، وتأتي أهمية هذه المنحة وفق ما أشارت إلى أنها تمكنها من حضور ورشات عمل، ومقابلة العديد من الأطباء الحاصلين على جوائز نوبل، كما أنها ستتعمق في المجتمع الطبي من خلال مشاهدتها للعديد من الجراحات، وسماعها لقصص ناجحة، والجميل بالنسبة لها أنها ستكون في جامعة "هارفرد" التي تطمح أن تكمل دراستها فيها.
وستكون أول فلسطينية تمثل ولاية وتحضر الكونغرس، تقول: "إنها فرصة لتمثيل بلادها ووطنها الذي تركت نصف قلبها فيه، فلا تجد أي صعوبات في طريقها، لأن كل ما تحتاجه في هذه البلاد أن يعمل الإنسان على نفسه ويثبت ذاته ليترك له بصمة في المجتمع، ولكن كونها مسلمة ومحجبة فتلقى في بعض الأحيان مضايقات، ولكن لا تكترث لها خوفًا من أن يُصبح عقبة في طريقها.
وآخر نشاط لها، افتتاحها قريبًا مشروعا خاصا بأطفال غزة بولاية نيوجرسي، تحت مسمى "السلام للأطفال"، ويهدف إلى توفير أجهزة غسيل الكلى لمستشفيات غزة، والعلاج، وعمل تصاريح لتسهيل سفرهم وتلقي العلاج في الولاية، وتعتبر ذلك أقل ما يمكن أن تقدمه لمساعدة أطفال بلدها.
وتطمح عساف أن تدرس الطب في جامعة هارفارد، وتعود إلى فلسطين لتفتح مستشفى خاصا بعلاج الأطفال، وتمثل فلسطين بقضيتها الوطنية حول العالم، وتشارك في العديد من المؤتمرات، وستكون اليد الحانية على أطفال المخيمات.