أصدر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات كتاب بعنوان: "استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط وعلاقته بالنفوذ الإسرائيلي في المنطقة" من تأليف شادي سمير عويضة.
وتكمن أهمية هذا الكتاب، الذي يقع في 222 صفحة من القطع المتوسط، في توضيح وتفسير السلوك والتوجهات والسياسات والتغيرات الإسرائيلية المتعلقة باكتشافات الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط الجديدة، وفي كيفية استغلالها اقتصادياً، أو على صعيد فرض الوقائع الجديدة على المنطقة، ضمن مفهوم سياسة الأمر الواقع، التي تعمل عليها (إسرائيل).
والكتاب في أصله رسالة ماجستير، ويضم خمسة فصول، تناول الأول: الإطار العام للدراسة؛ والثاني: الإمكانات الإسرائيلية لاستغلال حقول الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط؛ فيما تناول الثالث اكتشاف الغاز في شرق البحر المتوسط بين احتمالات النفوذ و"التعاون"؛ أما الرابع فتطرق إلى تداعيات اكتشاف الغاز على النفوذ الإسرائيلي على دول المنطقة؛ وناقش الفصل الخامس مستقبل النفوذ الإسرائيلي على الدول الإقليمية، في ظلّ الاكتشافات الجديدة للغاز في شرق البحر المتوسط؛ ثم اختُتم الكتاب بخلاصة وملاحق.
وبالرغم من وفرة الدراسات النظرية التي تطرقت إلى موضوعَي اكتشافات واستغلال الغاز، وأثر ذلك على النفوذ الإسرائيلي في منطقة شرق البحر المتوسط، فإنه لا يوجد سوى مقالات محدودة حاولت الجمع بين الموضوعين، وحتى هذه الدراسات التي تمّ استعراضها في الدراسات السابقة لم تنطلق من إطار نظري سياسي اقتصادي وقانوني، يمكن له أن يحد من عيوب الدراسات السابقة، بل حاولت هذه المقالات الغربية إيجاد أسانيد لجأت إلى تبرير الهيمنة الإسرائيلية على حقول الغاز، وبالتالي تشكل هذه الدراسة لبنة أولى لسد هذه الفجوة في الأدبيات السياسية العربية.
وبينت الدراسة أن سلسلة الاكتشافات الكبرى للغاز الطبيعي في حوض شرق المتوسط منذ سنة 2009، غيرت من ديناميات الصراع في منطقة شرق البحر المتوسط، وجعل له أبعادًا جيوسياسية ومالية واقتصادية واستراتيجية، مشيرة إلى أن تلك الاكتشافات قد يصبح عماداً مهماً لاقتصاد الدول العربية، ويعطي في المقابل فرصة لـ(إسرائيل) لتعزيز مكانتها، وزيادة نفوذها على حساب ميزان القوى العربية.
وذكرت الدراسة أن الجديد في هذه الاكتشافات أنها ستحقق للفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والقبارصة والأتراك والاتحاد الأوروبي، فرصة من أجل الضغط على (إسرائيل)، في ظلّ تصاعد الوتيرة الدولية المطالبة بحقّ الفلسطينيين في استغلال مواردهم الطبيعية، والتي أقرتها الأمم المتحدة لهم أسوة بجميع شعوب العالم.
كما ركزت الدراسة على أهم التداعيات الإقليمية المحتملة لهذه الاكتشافات واستغلالها، ومنها؛ الآثار الاقتصادية والمالية والسياسية على "إسرائيل" ووضعها ونفوذها الاستراتيجي في المنطقة، وآثار هذه الاكتشافات على مسار الخلاف اللبناني الإسرائيلي على الحدود البحرية، والصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام، والخلاف التركي القبرصي بشكل خاص الذي أدى إلى تقارب سياسي واقتصادي وعسكري بين "إسرائيل" وقبرص واليونان، تجسّد في القمة التي عقدت في نيقوسيا سنة 2016.
وعلى صعيد آخر، أوضحت الدراسة أنه وبالتوازي مع عوامل الصراع المتجذرة في المنطقة، فإن الاكتشافات أحدثت أيضاً تطوراً مهمًا، وخصوصاً ما تقدمه من فرص تنموية للدول المشرفة على هذه المنطقة.
وأضافت أن هذه الحالة الاقتصادية تدرس العلاقة بين الاستكشاف والاستغلال وإنتاج الطاقة، والأمن البحري في شرق البحر المتوسط، حيث ستسعى كل دولة لتأمين مصالح الطاقة البحرية، وتحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة، لذلك ستسعى هذه الدول لزيادة عدد السفن الحربية، والطائرات المروحية في منطقة شرق البحر المتوسط، لتأمين أمن الطاقة الذي فرض نفسه على معادلة الأمن القومي للمنطقة.
ورأت الدراسة أن "إسرائيل" والشركات المعنية ستؤمن الطاقة وتعمل على تصديرها إلى الجيران بشكل أولي، فمشكلة (إسرائيل) الحقيقية تكمن في تعزيز الوجود البحري لكل من الدول الثلاث (قبرص، اليونان، تركيا)، بالإضافة إلى روسيا الموجودة بأسطولها في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي يفرض عليها القيام بتعزيزاتها البحرية لحماية البنية التحتية الخاصة بالطاقة لمواجهة أي خطر محتمل، ويشمل هذا أيضاً الوجود البحري للسفن البحرية الأمريكية في شرق البحر المتوسط. ولكن ينبغي عدم المبالغة في الحديث عن هذه المخاطر، لأنها تبدو محدودة بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي الموجود أصلاً في الشرق الأوسط من الناحية التاريخية.
وأشارت الدراسة إلى أن (إسرائيل) تسعى للتعامل مع اكتشافات الغاز كمعبر للتطبيع مع دول المنطقة، وبالتالي الحصول على استقرار سياسي مع محيطها العربي، لتحقيق أمن الطاقة الخاص بها، وفي الوقت نفسه، فإن الصراع على الملكية من الممكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات بين تركيا وقبرص من ناحية، وبين لبنان و"إسرائيل" من ناحية أخرى، مما سيؤثر على أمن المنطقة واستقرارها.