فلسطين أون لاين

​حين تتذكرون تتحررون

في مثل يوم أمس الثاني من أكتوبر من سنة ١١٨٧م ، السابع والعشرين من رجب من سنة ٥٨٣ هجرية دخل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله القدس، بعد أن كسر الصليبيين واستعاد بيت المقدس، وطهر المسجد الأقصى، وأعاد الصلاة فيه، ووضع منبر نور الدين زنكي في محرابه، ورفع العنت والقهر عن سكان المدينة، وفرض الجزية، وعفا عن المستضعفين فيها.

اليوم ونحن في عام ٢٠١٩م وعلى مسافة ١١٦٨ سنة من تاريخ صلاح الدين نجد القدس والأقصى تحت يد الاحتلال الصهيوني الغاشم، ونجد أن اليهود يعملون جهدهم لتهويد المدينة المقدسة، وطرد سكانها المسلمين منها، وتغيير معالم الأقصى، وتهيئته لاستقبال بناء الهيكل المزعوم في مكانه.

المسجد الأقصى عاد بعد تحريره إلى حالة من الاحتلال هي أسوأ مما كان عليه في زمن الصليبيين، اليهود يعاملون القدس والأقصى معاملة قذرة هي أسوأ وأنكى من جعل المكان مزبلة وإسطبلا للخيول، كما كان في زمن الصليبيين.

ليس من بين المسلمين رجل يتوقع من يهود معاملة الأقصى ومن فيه معاملة إنسانية حسنة، بدليل أن عهدة الفتح مع عمر رضي الله عنه اشترطت ألّا يسكن اليهود بيت المقدس، ولو علم المسيحيون والمسلمون أن في اليهود خيرا للمدينة ما اشترطوا منعهم من سكنها.

المؤسف في هذه الذكرى أن حرمات المسجد الأقصى تنتهك يوميا على يد المستوطنين والمتدينين اليهود، وعلى يد الرسميين في الدولة، ولا يوجد في بلاد فلسطين والعرب والمسلمين صلاح الدين، وكأن زماننا أسوأ في قسوته وشدته علينا من زمن صلاح الدين على من كانوا في ذلك الزمان الغابر.

حين تمرّ ذكرى تحرير بيت المقدس السنوية، ولا تجد في الصحف ووسائل الإعلام من يحيي ذكراها، ويربط بين ماضي بيت المقدس وحاضره، فإن ذلك يدل على أن ذاكرة الفلسطينيين والمسلمين بدأت تستسلم للواقع المرّ الذي يشهد علو (إسرائيل)، والأدهى والأمر أنك تجد في بلاد المسلمين والعرب قادة ينافحون عن التطبيع مع (إسرائيل)، ولا يجدون مرارة في حلوقهم من احتلال يهود للقدس، ولا من تهويدهم للمسجد الأقصى ولا من إهانتهم المسلمين في ثالث الحرمين الشريفين!

حين لا يتذكر القادة تاريخ تحرير الأقصى، وإعادة المسجد إلى طهارته، فإن هذا يعني أن القادة لا يفكرون في تحرير الأقصى، لأن من يفكر في التحرير لا بدّ أن يكون على ذاكرة مما يريد. والمؤسف أن الإعلام الفلسطيني والإسلامي لا يتعرض لهذه الذكرى في تاريخها المعاصر، ويجري وراء أخبار فنية هابطة، وكأنه لا مفرّ لنا من الاستسلام، وكأن الحديث عن صلاح الدين حديث خرافة وأماني!