في تصريح غير مسبوق يقول ترامب إنه لا يريد حربًا مع إيران. اللافت للنظر إلى جانب التصريح أنه قاله أمام مائة من قادة يهود العالم في مناسبة الاحتفالات برأس السنة العبرية. والسؤال المباشر لماذا قال ترامب تصريحه؟! ولماذا كان التصريح أمام اليهود وموجهًا لهم؟!
إن دلالة التصريح توحي بنجاح الدبلوماسية الإيرانية، وبصمود إيران أمام الضغوط، وهذان يستمدان القوة من نجاح إيران في بناء قوة إيرانية ضاربة بالاعتماد على النفس، وليس بالاستيراد.
ترامب في تصريحه يقرر حقيقة أن اليهود هم من يدفعون أميركا للحرب مع إيران. يبدو أن ترامب قد أدرك كنه المطالب الإسرائيلية واليهودية، وأدرك أن (إسرائيل) تسعى لتوريط أميركا بحرب في الخليج، لأن مصالح (إسرائيل) تكمن في هذه الحرب؟! ترامب يقول إن مصالح أميركا، ومصالحي الشخصية كرئيس يسعى لولاية جديدة لا تكمن في حرب ضد إيران، لذا على قادة اليهود أن يقفوا عند هذه الحقيقة، وأن يكفوا عن التحريض على الحرب؟!
إذًا ترامب قال تصريحه غير المسبوق هذا لأن الحرب تتعارض مع مصالح أميركا، ومع مصالحه الشخصية، ولكن هذا لا يفسرّ إلا نصف الحقيقة، لأن النصف الثاني يكمن في قوة إيران العسكرية، وقدرتها على إيقاع خسائر كبيرة في الجانب الأميركي، ربما تكون سببا في سقوط ترامب والجمهوريين.
(كن قويًّا يحترمك الناس، ويقرون لك بمصالحك).
لا أحد في العالم يقرُّ بمصالح الضعفاء برضا خاطر. الضعفاء يتسولون الحماية، ويدفعون ثمنها من أموالهم وكرامتهم، والأقوياء يحمون أنفسهم من الكبار بقوة ما بين أيديهم. إيران ولا شك دولة متمردة بشكل أو آخر على النظام الدولي كما تقرره أميركا ودول الغرب، وهي تحتوى بقوة ما لديها ردود الأفعال العالمية على هذا التمرد، حتى جاء تصريح ترامب الأخير، الذي صب ماء باردا على نار نتنياهو والصهيونية.
إيران تتمرد على النظام الدولي، بعقل وذكاء، وقد أتاح لها النظام الأيديولوجي الذي تقوده، فرصًا جيدة للمناورة والنجاح، والخروج من الأزمات المتلاحقة بشكل أقوى. إذا كانت تصريحات ترامب قد وضعت نهاية للمطالب الصهيونية، فمن الجدير أن تستفيد دول عربية من هذه التجربة، وألاّ تلقي بنفسها في حاضنة (إسرائيل). وكما نجحت إيران في مواجهة التهديدات الأميركية بالحرب، نجحت تركيا أيضا في سياستها الخارجية التي خالفت فيها واشنطن، دون أن تحدث تداعيات سلبية على المصالح التركية.