قبل أعوام أضفتُ في عملي الإذاعي مديرًا عامًّا لمجمع طبي كبير في قطاع غزة، وسألته عن سبب عدم رضا المواطنين عن الأطباء وأدائهم، فأرجع الأمر لسببين:
أن المواطنين لا يثقون في الغالب بالطبيب المحلي، ويفكرون دائمًا بالتحويلة أو مواعيد الوفود.
"أن الأطباء يتقاذفون المرضى ككرة اللهب.." وهذا نص اقتبسته حرفيًّا من كلام ذاك المدير.
أولًا: من الواضح جدًّا أن هناك أزمة ثقة كبيرة بين الأطباء والمرضى في فلسطين عمومًا، وهذا مرده للعديد من الأسباب التي لا مجال لحصرها هنا، لكنها تراكمت بصورة لا يسهل تجاوزها أو إغفالها، ومن هذه الأسباب: تعوُّد الناس على "الطبيب الأجنبي"؛ فمنذ احتلال فلسطين بدأت الوفود والبعثات الطبية تعمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبقاء هذه الوفود حتى مع زيادة عدد الأطباء الفلسطينيين بقي عائقًا أمام ثقة المواطن بالطبيب ابن بلده.
ومن الأسباب مِلفُّ "العلاج بالخارج"، الذي إن كان ضروريًّا في بعض الحالات، فإنه في أكثر من 50% يشكل حالة من الرفاهية التي يطالب بها المريض وذووه دون وجه حق، أو دعونا نقول بوجه حقٍّ مساواة بالمتنفذين الذي إن احتاج أحدهم لعملية صغرى سافر بتحويلة لدولة خارجية، وكلّف موازنة السلطة آلاف الدولارات.
ومن الأسباب المهمة كذلك مِلف "الأخطاء الطبية"، وهذه تُعد حجر الزاوية في هذه الأزمة، فالقصص والأحداث التي نسمعها ونعاينها عما يوصف "بخطأ طبي" نتيجة تصرف غير صحيح من طبيب؛ تجعل الناس يفرون بأرواحهم وأجسادهم خوفًا من أن يعالج من أجل أمرٍ، فيخرج من العمليات بمشكلات أخرى.
ثانيًا: "الأطباء يتقاذفون المرضى ككرة اللهب.." كم صدمني وقتها أن يتحدث مسؤول في أحد المستشفيات بهذه الصراحة والشفافية، لكنها صحيحة إلى حدٍّ ما، وهذا ما يراه المرضى عيانًا بمجرد حاجتهم إلى المستشفى الحكومي، فهذا الطبيب يرحل الملف إلى زميله الآخر، وذاك لا يعطي اهتمامًا للمريض ولا يجيب عن أسئلته واستفساراهم، وهذا لا يحترم مواعيد المرضى وحجوزاتهم ويأتي كيفما اتفق مع مزاجه الخاص، وذاك يتعامل مع المرضى بعلُوِّ نفسٍ وأَنَفةٍ، والذي يؤكد هذا الكلام هو أن الطبيب ذاته تختلف معاملته واهتمامه وطول باله في عيادته الخاصة المدفوعة التكاليف، مع أنه بالمناسبة في المستشفى الحكومي لا يعمل بالمجان.
وحتى نكون منصفين إن عددًا لا بأس به من المرضى والمراجعين يدفع الطبيب لفعل ذلك وأكثر، فهم لا يعطونه أي احترام، ويطلبون منه المستحيل أو أن يتجاوز القانون، وحتى نكون منصفين أيضًا ليس كل الأطباء كما ذكرنا، لكنها حالات موجودة فعلاً.