لم يقتصر تفاعل الفلسطينيين وتحديداً سكان غزة مع منصة "صراحة" على القضايا الاجتماعية أو الشخصية، بل تجاوز الأمر ذلك إلى الحديث حول الأوضاع السياسية والمعيشية داخل القطاع المحاصر إسرائيليا.
"وصراحة" منصة إلكترونية تشابه مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تسعى لإيجاد حلقة وصل بين المشترك في الموقع ومحيطه العام، وذلك عبر اتاحة المجال لأصدقاء أو زملاء المشترك للتعبير عن آرائهم تجاه الأخير، دون التصريح عن هويتهم تفادياً للإحراج.
ويستقبل الموقع زواره بسؤال استفهامي بارز "هل أنت مستعد لمواجهة الصراحة؟" ثم يتبعه بعبارة "أحصل على نقد بناء بسرية تامة من زملائك في العمل وأصدقائك".
المعبر والكهرباء
ومقابل ذلك، رأى بعض الشبان الغزيين بخاصية الأمانة التي يوفرها الموقع الحديث فرصة للتعبير عن آرائهم تجاه عدة قضايا شائكة كأزمة انقطاع الكهرباء والإغلاق شبه الدائم لمعبر رفح الحدودي _المنفذ البري الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي_ بجانب استمرار الانقسام الداخلي بين حركتي "حماس" و"فتح".
الصحفي نضال الوحيدي بادر بعد أيام قلائل من إطلاق "صراحة" إلى إنشاء حساب خاص باسم "معبر رفح" ثم ترك المجال لأصدقائه ومتابعيه لإبداء مواقفهم تجاه أزمة إغلاق المعبر واقتصار السلطات المصرية على فتحه لأيام معدودة بين الحين والآخر.
وبين الوحيدي أنه أطلق الحساب لسببين رئيسيين أولهما يتعلق به شخصيا كونه تجرع مرارة فشل محاولات السفر خارج القطاع وضياع فرص المشارك في ملتقيات ومعارض خارجية، أما السبب الثاني فسعى من ورائه إلى توفير مساحة يعبر فيها المواطنون عن تذمرهم من حالة الحصار.
وقال الوحيدي لصحيفة "فلسطين" لطالما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات القليلة الماضية دورا متقدما في نقل صوت الشارع المحلي وعكس مجريات الواقع الحياتي على صفحات العالم الافتراضي، وبناء على ذلك جاء موقع صراحة ليكمل في ذات السياق.
ووصل إلى حساب "معبر رفح" فور إطلاقه عشرات الرسائل مجهولة المصدر، وكان منها على سبيل المثال: "أنا طالب مسجل بجامعة بإسبانيا وفيزتي ستنتهي، فلازم أطلع قريبا ولكن فش خيار قدامي إلا التنسيق، رغم أنني اخسرت كل الذي بحوزتي للتسجيل بالجامعة والفيزا (..) ساعدونا".
وكذلك، لم تكن أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومية بعيدة عن موقع "صراحة"، إذ دشن بعض النشطاء حسابات باسم "الكهرباء" تاركين المجال لغيرهم للتعبير عن مواقفهم الشخصية تجاه الأزمة المتفاقمة دون حلول جذرية حتى الآن.
ويعاني سكان القطاع من أزمة انقطاع الكهرباء حادة، بدأت عقب قصف الاحتلال محطة الكهرباء عام 2006، بالإضافة إلى استهداف مخازن الوقود في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، صيف عام 2014.
سلاح ذو حدين
ولم يقتصر التفاعل حول القضايا الحياتية فقط، بل دعا بعض النشطاء قادة الأحزاب السياسية إلى إنشاء حسابات على الموقع، بينما رأى آخرون أن "صراحة" فرصة نادرة للموظفين كي يقدموا تقييما حقيقيا لمدرائهم في العمل دون الخوف من ردود فعل سلبية.
بدوره، وصف الناشط والكاتب الإعلامي، رضوان الأخرس الموقع بـ"السلاح ذي الحدين"، قائلا "انقسم جمهور الموقع إلى قسمين الأول استفاد منه لتقديم النقد البناء والإيجابي، أما الآخر فكشف فيه عن حقده وقدم الشتم ضد أشخاص لا يستطيع مواجهتهم واقعيا".
وأضاف الأخرس لمراسل "فلسطين": "في وسط تلك الحالتين برزت ظاهرة أخرى تتمثل بإنشاء حسابات تتعلق بمواضيع بعيدة عن الغايات الأساسية لإطلاق الموقع"، مشيرا إلى أن النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي استغلوا خاصية الأمان للتعبير عن مواقفهم دون تردد.
وفي جانب الحفاظ على سرية أسماء المرسلين، قال مؤسس موقع "صراحة" الشاب السعودي زين العابدين توفيق، في تصريحات إعلامية سابقة: "أنا شخصياً لا أعرف من المُرسل، والهوية لا تسجل من الأساس، والدليل أننا في الموقع لا نطلب أي معلومات من المُرسل، كالاسم أو البريد الإلكتروني على غرار المواقع الأخرى".
وترتكز فكرة الموقع على إنشاء حساب شخصي من خلال البريد الإلكتروني وكلمة سرّ فقط، ثم يحصل العضو على رابط إلكتروني يشاركه على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، وحينها يتمكن أي شخص عند الدخول إلى الرابط من إرسال رسالة إلى صاحب الحساب يقول فيها كل ما في خاطره.