داخل ساحة مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بغزة، رهبةٌ تخطف القلب فور دخوله، يضجّ المكان بأهالي الأسرى و ذويهم، تتلفت العيون يميناً و يساراً لتراها مشتتةً تتفكر و تتساءل كم من حكايةٍ يمكن لها أن تُروى من هذا المكان.
مقاعدٌ متتابعة، تراصّ عليها أهالي الأسرى مُتبوئي مقاعدهم، تلك المقاعد التي ألفتهم وألفوها، كيف لا وهم الذين يتوجهون إليها كل يوم اثنين من كل أسبوع، مؤكدين فيها إخلاصهم ووفاءهم لقضية الأسرى.
تصدّرت أمهات الأسرى و أخواتهم السطور الأولى ، كلٌ تحمل صورةً لفلذة كبدها التي غيبتها سجون الاحتلال عن دفء أحضانها، تلتف وشاحات فلسطين و الأقصى حول أعناقهن، مرددين بملء الفم و علو الصوت عبارات و هتافات مناصرة لأسرانا البواسل في زنازين الاحتلال.
"يا هيئات يا دولية بدنا وقفة جدية"، كانت هذه أولى الرسائل التي طالب فيها ذوي الأسرى و أهليهم المؤسسات الحقوقية و الهيئات الدولية بخطوات جدية لخدمة قضية الأسرى، و التي تقف دون أن تحرك ساكناً أو إسنادٍ فعلياً يُذكر.
شعبٌ لا يخشى في الله لومة لائم هذا ما تمثل في رجل انتفض خلال الوقفة ليهتف بعبارة " يا اللي بترسل تهديدات بدنا الأسرى محررين"، مؤكداً فيها جبن الاحتلال و قوة وصمود الشعب الفلسطيني.
"و في العيون كلامٌ صمته لغة، سمعت منه حديثاً بالغ الأثر"، هذا هو ما كان عليه حال أهالي الأسرى ، و في حديثٍ لـ " فلسطين أون لاين" قالت والدة الأسير هيثم حلس المعتقل في سجن عسقلان " إنها ترى أن قضية الأسرى ميتة"، لا أحد يولي لها الاهتمام المنشود ، فالاحتلال مستمرٌ في ممارسة سياساته العنجهية في وضع أجهزة التشويش داخل زنازينهم عدا عن الإهمال الطبي المتعمد و الذي يسلب أرواحهم ببطء.
ومن الجدير بالذكر أنها لم ترَ ابنها المعتقل منذ ثلاث سنوات، دون وجود أي أسباب تمنعها من ذلك سوى أنه ظلمٌ معتاد من الاحتلال، مناشدةً كل صاحب ضميرٍ حي بوضع قضية الأسرى على أولى سلم الأولويات.
بزيّها الفلسطيني المطرز ومفتاح العودة بيمينها و علم فلسطين بيسارها، و بصوت جهوري يمثل قوةٍ وثقة بحق الأسرى والقضية الفلسطينية، تطالب ... بأن يُعامل الأسير الفلسطيني معاملةً إنسانية، وأن يرفع قبضته الحديدية التي يُلقي بها على أسرانا، فهو لم يرتكب جُرماً ليعاقب عليه، مؤكدةً أن الشعب الفلسطيني رمزٌ للقوة و الثورة و النضال، و لا بد من يومٍ تُحطّم فيه أسوار الاحتلال و ينال أسرانا حريتهم.
أما الأسيرة المحررة ريا جودي البالغة من العمر 70عاماً قضت منها 14 عام في ظلمات سجون الاحتلال، جاءت تضامناً مع الأسرى المضربين عن الطعام، آملةً بتحقق مطالبهم و الفرج القريب لهم.
و إن تحدثنا عن المعنى الحقيقي للوطنية و الانتماء ستراه في عيون زهرةٌ من زهرات الكشافة ممن حضروا إلى الفعالية، ما إن توجهنا لها بالسؤال عن سبب مشاركتها حتى والدموع كانت حاضرةً في عينيها وعروق رقبتها التي برزت بشكلٍ واضح في حديثها دلّت على شدة قهرها،
حيث قالت ببراءة الطفولة أنها جاءت لأجل أن تحرر الأسرى من سجون الاحتلال، يُذكر أنها ابنة أسير محرر و لكن حريته لم تمنعها من ان تكون أملاً لذوي الأسرى.
ما إن ترتفع بنظرك قليلاً للأعلى في المكان، سترى يافطات الأسرى ومن الجوانب الأربع تعتليه، جميعها تحمل صوراً للأسرى، ولكن ما إن ترى الأمامية منهم تحمل عنوان "فجركم بات قريب "،غير أن صورة الأسير بسام السايح الذي استشهد على إثر الاهمال الطبي المتعمد في سجون الاحتلال ستخلق في نفسك تساؤل أي فجر هذا الذي سيطلع عليهم أهو فجر الحرية أم هو فجر الخلاص والموت !